الأحد، 6 مارس 2016

المجدلية
رجمتها الكنيسة مرتين!


بقلم جوزف قرداحي
منعت اللجنة الادارية للحركة الثقافية في انطلياس برئاسة الأب جوزف ابي رعد ندوة كانت ستعقد في مركزها حول كتاب: "ماريكا المجدلية" للإعلامي والاديب اللبناني ايلي صليبي. على خلفية ان الكتاب يحمل مضمونا كنسيا ويسيء الى رمز من رموز الانجيل المقدس مريم المجدلية، المرأة التائبة التي لجأت الى يسوع وآمنت به وأصبحت من اتباعه بعدما تخلت عن كل مغريات الجسد وشهواته وامجاد اﻷرض الفانية، لتربح المجد السماوي.
مريم المجدلية على جدلية شخصيتها الواردة في الأناجيل الأربعة، والخلط بينها وبين المرأة الزانية التي أمسكها غلاة الدين اليهودي بالجرم المشهود، وجاؤا بها الى المعلم ليوقعوه في تجربة رجمها حسب شريعة موسى، فأوقعهم في فخ شرورهم حين قال لهم: من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر.
هذا الالتباس بشخصية المجدلية المبهمة في الانجيل، جعل منها إمرأة زانية في الكثير من الروايات التي حيكت حولها، وفي روايات أخرى جعل منها إمرأة تحترف البغاء في بيت دعارة سرية.
غير ان شخصية المجدلية الحقيقية المثبتة في الانجيل، هي شخصية إمرأة تنتمي الى عائلة ثرية من قرية اسمها المجدل، أحبت المسيح وعشقته فسخرت ثروتها لدعم رسالته، وتخلت عن كل أمجاد عائلتها لتلتحق بمجموعته التبشيرية. وهي بالتالي شقيقة اليعازر الذي أقامه يسوع من الموت وأيضا شقيقة مرتا المنشغلة بأمور كثيرة.
مريم المجدلية التي أحبت يسوع كثيرا، ودلقت قارورة الطيب على قدميه ونشفتهما بشعرها، لم تكن اطلاقا تعمل في الدعارة كما يتراءى للبعض، ولم تكن بالتالي هي المرأة الزانية التي أرادوا رجمها، بل هي تلك المرأة التي أحبت يسوع كثيرا فقال لها: "طوبى لك... ﻷنك احببت كثيرا، يغفر لك كثيرا"، الأمر الذي ترجمه بعض مفسري الانجيل تفسيرا مغايرا للحقيقة، وهو تفسير يفضح نظرة رجال الدين السلبية الى الحب، حيث جعلوا منه شيطانا رجيما والقوا القبض عليه وحكموا عليه بالسجن المؤبد. فربطوا الحب بالجنس، والجنس بالشهوة، والشهوة بالخطيئة.
من هنا نفهم قرار الأب جوزف ابي رعد بمنع الندوة حول كتاب ايلي صليبي، وهو قرار يرجم المجدلية مرتين، مرة حين فهم مفسروا الأناجيل حبها للمسيح فهما خاطئا، فربطوا هذا الحب العظيم بالشهوات الدنيئة وجعلوا منها إمرأة منحرفة تتوب الى المسيح، ومرة ثانية، حين ربط الاعلامي الكبير اسم المجدلية باسم عاهرة شارع المتنبي ماريكا اسبيريدون، التائبه عن عمر يناهز السبعين عاما، والمكرسة ثروتها التي جنتها من التجارة باجساد ضحايا البغاء اللواتي اوقعهن الفقر والجوع والحظ السيء في شبكتها للكنيسة.
بعيدا عن محتوى كتاب ايلي صليبي الذي يحمل عنوانا استفزازيا بامتياز "ماريكا المجدلية"، يتبادر السؤال بالحاح، هل بات دور الكنيسة اليوم ينحصر في مراقبة الأقلام الأدبية والأعمال الفنية لمصادرة وقمع كل فكر يتناول اي من "محرماتها"، وهل أصبح المركز الكاثوليكي للإعلام هيئة كنسية لممارسة دور مطاوعة هيئة "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، وهل أصبحت ندوة حول كتاب مهما تجاوز الخطوط الحمر أكثر استفزازا من مشاهد قطع الرؤوس والجثث المحترقة العارية التي تتحفنا بها محطات التلفزيون يوميا، وتنتهك كل الحرمات والمحرمات؟!

(عن "أسواق العرب" اللندنية)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق