الاثنين، 5 أغسطس 2013



الجنس المقدس

بقلم هيام بو فخرالدين
عندما نقرأ في الأساطير القديمة عن "الجنس المقدس" أو ما كان يعرف في ذلك الوقت "بالبغاء المقدس" نصاب بالذهول لمجرد أن هذا الشذوذ كان متبعا كتقليد تكرسه المعابد وتنفذه كاهنات، كن يعرفن باسمهن الأكادي "القاديشو" أي "النساء المقدسات أوالطاهرات". فالبغايا كن قديسات ربما لأن الجنس كان يعتبر عملا إلهياً بامتياز.

اما في الطقوس الديونيسية السرية فان المتعبد يتحد بالقوة الالهية لدينيسيوس - روح الخصب الكونية - عبر الخمر والجنس الجماعي، وهذه الطقوس كانت معروفة في الفترات الأولى من انتشار المسيحية
عشتار

وفي الأدب السومري الذي يرجع إلى أكثرمن أربعة آلاف عام، يقول الباحث السوري إبراهيم محمود في أحد مؤلفاته: "إحتل الجنس مكانة رئيسية في أعراف الشعب السومري، وكان تقليداً للطبيعة، كان عبارة عن طقس مقدس، ولكنه في الوقت نفسه، كان يشير إلى مرحلة تاريخية، عبّرت عن تقدم الإنسان ووعيه لما حوله. والأوصاف الجنسية التي تقرأها في هذا الأدب، كانت استمراراً لما تُظهره الطبيعة من تحوّلات، ومظاهر نمو وتجدد فيها. (ويتابع محمود إلى القول:) "هكذا تقرأ قصة "إينانا" ومعناها "ملكة السماء" والتي تقابل عشتار: مع "دموزي" ومعناها الإبن البار، أو الأمين أو المخلّص، وهو راع، وتفضيله على الأنكيدو الفلاح، حيث عبّرت هذه القصة عن بداية البشرية، عن حالة التطابق مع الطبيعة وتقليدها... كما في نداء "إينانا" إلى "دموزي"، وهي في حالة شبقية، مثل فوران الطبيعة، وعنفوان الخصوبة فيها:
"أما من أجلي، من أجل فرجي،
من أجلي، الرابية المكومة عالياً،
لي، أنا العذراء، فمن يحرثه لي،
فرجي، الأرض المروية، من أجلي،
لي، أنا الملكة، من يضع الثور هناك؟"
فيأتيها الجواب:
"أيتها السيدة الجليلة، الملك سوف يحرثه لكِ، دموزي الملك، سوف يحرثه لكِ".
فتجيب "إينانا" بشغف:
"إحرث فرجي، يا رجل قلبي!".

الفرج المقدس

فرقة الحشاشين
تحدث ماركو بولو، الرحالة الشهير عن "الجنة" لدى فرقة الحشاشين - وهي فرقة نشأت في ايران وانتشرت في الشرق الأدنى، وما الجنة عندهم الا ممارسة طقوس الجنس الجماعي. اما اخبار "راسبوتين" (اي الفاجر بالروسية) لا تقل غرابة. فهو حين اعتنق مبادئ طائفة "الخاليستي" غيرالشرعية، بدأ يمارس طقوسها التي تستطيع أن تطهر الجسد وتجعل الإنسان أكثر قربا من الله من طريق الخطيئة.في عصرنا الحديث، تغيرت المفاهيم بفضل دخول مبادئ الأديان السماوية الى حياة البشر، فنبذت هذه المفاهيم واعتبرتها شاذة تؤدي الى دخول النار. لكنها في اللاوعي الجماعي بقيت تستعر بقوة. فذاكرة الجماعة حفظتها ولم تستطع تخطيها. فمارس الناس البغاء بكافة اشكاله، ولكن في السر.
نعتبر البغاء اليوم شذوذا، لأنه تخطى صفة الألوهة، وصار جنساً بشرياً يمارَس باشكاله البشعة، من اغتصاب وسحاق قربى وكهنة مهووسون يعتدون على الأطفال، ودعارة حقيقية يمارسها الرجال، في المثنى والثلاث والرباع، ونساء تعيش عبودية المجتمع وحرية الخطيئة.


إلى ذلك، أعطى الإسلام بعداً آخر للجنس، فوضعه في مصاف التقديس في القرآن، والمكافأة الموعودة بالآخرة المملوءة بالحور العين، الواهبات عذريتهن المتجددة، لكل من جاهد في سبيل الله، وعمل الصالحات على الأرض. فقارب القرآن موضوع الجنس، مقاربة تفصيلية دقيقة، تتصل بالحياة اليومية، إلى درجة تدخله بكل شاردة وواردة في علاقة الزوجين في الفراش، ومسألة النكاح. وقد وردت آيات صريحة على متن صفحاته، تدعو إلى النكاح وتشجعه في إطار الشرع وسنة الزواج.
وقد صدرت مؤلفات كثيرة، قاربت موضوع النكاح في الإسلام، مقاربة فقهية وفلسفية عصرية، ومن أشهر تلك الكتب وأحدثها، كتاب: "الجنس في القرآن" للباحث السوري إبراهيم محمود، الذي يُلفت إلى أن:
-   "كلمة النكاح، ذُكِرَتْ ثلاثاً وعشرين مرة في القرآن. وقد وردت غالبتها العظمى في صيغة أفعال. وهذا يتلاءم مع طبيعة التوجيه الإلهي للإنسان، وتنظيم العلاقة بين النساء والرجال، او الرجال والنساء" (صفحة 50/ رياض نجيب الريس للكتب والنشر).
ويُعدد الباحث محمود بعض الآيات التي ترد فيها كلمة النكاح:
-   (( ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف. - سورة النساء -)).
-        (( ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنّ. - سورة البقرة -)).
-   (( فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع. - سورة النساء -)) ... الخ. فنجد هنا حضاً على الزواج، والزواج هو الذي يتصف بصفة الشرعية، حيث يكون النكاح الذي هو الوطء، حقيقته، والدال عليه".


وفي سياق آخر، نقع على كتاب أحدث بلبلة في الأوساط الدينية المحافظة، بسبب استخدامه التعابير الجنسية المباشرة، هو كتاب "الروض العاطر في نزهة الخاطر" للإمام الشيخ محمد النفزاوي، الذي يُعتبر مرجعاً في آداب الجنس وثقافته، حيث يتناول في أبوابه الـ21 "الصفات المحمودة والمكروهة في الرجال والنساء، وأساليب الجماع وأنواع الطعام التي تساعد على دعم وتخصيب القدرات الجنسية، وأسباب العقم والصحة في الحياة الزوجة.
وقد يكون سبب إرباك الاوساط الدينية المحافظة، الذي أدى إلى منعهم الكتاب الصادر منذ أكثر من خمسة قرون يعود إلى الاشارات الصريحة التي وردت في نصوصه، والتي تسمي الأعضاء الجنسية بأسمائها الواضحة، حيث يستهل كتابه بالبسملة والحمدلة قائلاً:
-   ((الحمد لله الذي جعل اللذة الكبرى للرجل في فروج النساء وجعلها للنساء في (أ..ر) الرجال. فلا يرتاح الفرج ولا يهدأ ولا يقر له قرار إلا إذا دخله "القضيب" و"القضيب" إلا إذا دخل بالفرج. فإذا اتصل هذا بهذا وقع بينهما النكاح والنطاح وشديد القتال. وقربت الشهوتان بالتقاء العانتين وأخذا الرجل في الدك والمرأة في الهز، بذلك يقع الإنزال. الحمد لله الذي جعل لذة التقبيل في الفم والوجنتين والرقبة والضم إلى الصدر ومص الشفة الطرية مما يقوي "قضيب الرجل" في الحال.


من النصوص الدينية التي وردت في "العهد القديم" من الكتاب المقدس، واتسمت بالإيروسية، هي نصوص "نشيد الأناشيد" التي تبنتها الكنيسة على الرغم من إباحيتها الشعرية، معللة تلك العبارات الجنسية الواضحة، بـ"الغزل الإلهي" بين المسيح وحبيبته أو عروسه الكنيسة.
يقول أنسي الحاج الذي أعاد توزيع نصوص "نشيد الأناشيد" بقالب حواري بين "الراعية والراعي والملك" في كتاب صدر عن دار "النهار" للنشر العام 1967:
-   ((... وإذ نُثبت هذه الأشعار مستقلة، فلاعتقادنا أنها أجمل ما كُتِب من نوعها. وباحتوائها الأبعاد الثلاثة، الشعرية والجنسية والصوفية، تشكِّل، باقتضابها التام، تحفة فنية هي، في وقت واحد، مسرحية وصلاة وحكاية ومجموعة ألحان وأصوات ولوحات.­
تصف القصيدة التاسعة من "نشيد الأناشيد" جسد الحبيبة، وصفاً إيروسياً دقيقاً، لا يخلو من شبق الجنس والشهوة وشوق الوصال:
-   (( ما أجمل خطواتكِ بالحذاء يا بنت الأمير/ دوائر فخذيكِ كحُليّ صاغتها يدا صنّاع/ سُرّتك كأس مدورة مزاجها لا ينقص/ بطنكِ صُبْرةُ حنطةٍ يسيّجها السوسن/ ثدياكِ كخِشفي ظبيةٍ توأمين/  عنقكِ كبرج من العاج/ أنفكِ كبرجِ لبنان الناظرِ إلى دمشق/.... ما أجملكِ أيتها الحبيبة وما أشهاكِ في اللذات.... إلخ)).

أخيراً... لطالما آمنتُ أن ذاكرة اللاوعي الجماعي هي التي تحدد وجهة المجتمعات وتقرر مصير أفرادها. وما الشذوذ الذي تعاني منه مجتمعاتنا اليوم الا عصارة تجارب وصلت الينا منذ آلاف السنين وحطت رحالها في عقول لم تكن على درجة كافية من الوعي لتشذيب ما نتن منها، ولتخصيب ما وهبته الطبيعة بسخاء للإنسان، ألا وهو الشغف العاطفي، الذي يسمو بالجنس ولا يسقط به!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق