رأي

الآراء الواردة في هذا المقال وفي كل مقال منشور على هذا الموقع، لا تعبّر بالضرورة عن رأي "مرايا بيروت" أو عن سياسة الموقع الإلكتروني الحيادية، والتي تتسع لجميع التيارات السياسية والحزبية. ونحن في "مرايا بيروت" ننشر مقالات الزملاء إنطلاقاً من التزامنا بمبدأ حرية الرأي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 


مستقبل تيار المستقبل






بقلم أحمد عدنان
منذ عودة الشيخ سعد الحريري إلى بيروت وأداؤه أكثر من جيد، خصوصا على صعيد تواصله مع جمهوره ومحازبيه وبعض خصومه أو منافسيه السنّة. لكن المشكلة ليست هنا أو لم تعد في هذا المكان، لقد انتقلت إلى زوايا مغايرة، العلاقة مع الحلفاء، إضافة إلى التكتيك السياسي الذي يعاني أزمة واضحة.
على صعيد العلاقة مع الحلفاء، يقول الشيخ سعد بأن “المستقبل والقوّات واحد”، وفي المقابل يؤكد د. سمير جعجع بأن العلاقة مع المستقبل استراتيجية كما أن التحالف المبدئي فوق الاختلاف في وجهات النظر، لكن من يدخل إلى معراب أو إلى بيت الوسط سيلاحظ امتلاء القلوب، والمشكلة أن أصحاب الشأن ساروا في مبادرات مضادة، لذلك يريد بيت الوسط سحب ترشيح ميشال عون، ومعراب تريد سحب سليمان فرنجية، وهذه دوّامة غرقنا فيها بسهولة ونجد اليوم مشقة فوق مشقة للخروج منها.
السعداء بفتور العلاقة بين معراب وبيت الوسط هم محازبون صغار أو وجوه خفيفة، فالقضيّة أهمّ من هذه الزعامة أو تلك وهذا الحزب أو ذاك، القضية هي لبنان وقوى 14 آذار، والتنازل في هذا الإطار واجب على الجميع، وإنني أتمنى من الرياض تولّي مبادرة تصفية الأجواء وتدوير الزوايا بين الطرفين، لأنها الوحيدة المؤهلة لهذا الدور بحكم علاقتها المتينة بمعراب وببيت الوسط، مع العلم بأن مواضيع التباين واضحة وجوهرية، صناعة القرار الاستراتيجي في قوى 14 آذار والانتخابات النيابية والملفّ الرئاسي، وليس من الحكمة ترك ملفات بهذه السخونة لعامل الوقت الذي سيشعلها أكثر بدلا من معالجتها.
على صعيد الأداء السياسي العام، لا أجد أن تيار المستقبل استطاع مواكبة القرارات السعودية والخليجية والعربية بخصوص حزب الله بطريقة صحيحة أو ناجعة، والسبب الأساسي لذلك هو أن شبح 7 أيار ما زال جاثما على مخيلة أصدقائنا المستقبليين، ومن هرب من هذا الهاجس ابتلعه الخوف من اندلاع حرب أهلية، وفي رأيي أننا أمام تقديرات افتقدت الدقة لننته إلى تضييق مساحة الحركة السياسية أمام أنفسنا.
الحزب الإلهي ليس من مصلحته في هذه اللحظة بالذات القيام بـ7 أيار جديدة أو إشعال حرب أهلية لغير سبب، مع احتساب اللاجئين الفلسطينيين والسوريين، نجد أن عدد سنّة لبنان قد تضاعف مرتين، وهو ما لم يكن حاضرا في 7 أيار 2008، وهذا العدد الضخم معبأ بأعلى درجات الاحتقان من جرائم الحزب الإلهي وتصرّفاته، ولا ينقصه إلا عود كبريت لتسقط الخطوط الحمر بينه وبين ما يسمّى بحزب الله وجمهوره، وهؤلاء السنّة بالتأكيد ليسوا مسلحين أو مدربين كميليشيات إيران، لكنهم يستطيعون بأبسط الوسائل والإمكانات تشكيل إزعاج حقيقي وموجع للحزب ولبيئته الحاضنة.
على صعيد آخر، إن أعداد قتلى الحزب الإلهي وجرحاه جراء تدخله السوري مزعجة له وزيادتها ولو بفرد واحد داخل لبنان مشروع انتحار، لأن سقوط الأول لا يعني سقوط الأخير، وليس معقولا أن يكون الحزب المنغمس في حرب خارجية مستعد لفتح جبهة داخلية في هذا التوقيت.
وهناك زاوية أخرى لا بدّ من أخذها في الحسبان، إن القرار السعودي بوقف الهبة للجيش اللبناني هو في حقيقته رسالة تحفيزية لحلفائها اللبنانيين وللدولة اللبنانية كي يحرّروا أنفسهم من نفوذ الحزب، تزامن ذلك مع عقوبات وضوابط أميركية على المصارف اللبنانية لتجفيف الحزب الإلهي ماليا، وفوق ذلك اتخذ مجلس التعاون الخليجي ومجلس وزراء الداخلية العرب قرارا بتصنيف ما يسمّى بحزب الله منظمة إرهابية استنادا إلى أدلة دامغة، أي أن الصورة أمامنا هي حصار عربي ودولي يفرض تدريجيا على الحزب الإلهي، وتورط الحزب في أيّ منزلق داخلي سيدينه ويضعفه ولن يقوّيه، وبهذه الوقائع نقول أيضا: انعقاد مؤتمر تأسيسي في هذا التوقيت سيصبّ حصرا لمصلحة السنّة، فرئاسة الحكومة لم تعرف الفراغ، كما أنهم لم يحملوا سلاحا ولم يتطفلوا على شؤون غيرهم كما فعل الحزب الإلهي وحلفاؤه، ولنا في الحرب الأهلية ومؤتمر الطائف أسوة حسنة، من حمل السّلاح أو غطّى الفراغ تعرّض للإقصاء.
مشاعر تيار المستقبل هي خوف على جمهورهم ولبنان من حرب أهلية أو 7 أيار محمودة، لكن هناك فرق واضح بين الحرص وبين الاستسلام، وهناك فرق ناصع بين الضغط والمواجهة وبين إشعال الفتنة.
منذ عاد الرئيس سعد الحريري وهو يرفع شعار انتخابات الرئاسة، ولن يتمكن من خوض هذه المعركة من دون حليفه الأساس، حزب القوات اللبنانية، وتصريحات الشيخ سعد ليست كافية البتة لمعالجة الفراغ.
يتكئ الحزب الإلهي على مرتكزات أربعة لتغطيته ولحماية الفراغ، الأول هو الحوار الثنائي مع تيار المستقبل، والثاني يتمثل في مبادرات رئاسية رشحت حلفاءه، والثالث يتجسد في حكومة الرئيس تمام سلام، والرابع هو صمت الشارع عن ممارسات الحزب الإلهي ضد الدولة اللبنانية.
إنني أتمنى ذات يوم حضور جلسات الحوار بين تيار المستقبل والحزب الإلهي بسبب العجز عن تخيّل ما يمكن أن يقال فيها، ولقد فكرت مرارا في سبب انعقاد هذه اللقاءات الصورية، ولم أجد سببا مقنعا غير جودة “الشاي” و”القهوة” في دارة الرئيس نبيه بري وشخصيته الجاذبة، وحسب معلوماتي المتواضعة قدّم هذا الحوار معلومات مغلوطة لتيار المستقبل عن مسار قضية الإرهابي ميشال سماحة لتتفاجأ قوى 14 آذار بإطلاق سراحه عكس المتوقع. لذلك، هذا الحوار لا بد من إيقافه خصوصا مع استمرار جلسات الحوار الوطني برئاسة نبيه بري نيابة عن رئيس الجمهورية الغائب أو المغيّب بالفراغ، فتيار المستقبل مع حلفائه أقوى منه منفردا.
بعد المستجدّات الخليجية والعربية والدولية تحت عنوان محاصرة حزب الله، يصبح الاستمرار في المبادرتين الرئاسيتين ضربا من العبث، فهذا الحصار سببه اعتداء الحزب على مفاصل الدولة وسيطرة حلفائه على بعض الوزارات، فهل يعقل بعد ذلك أن نسلّمهم قصر بعبدا؟ والأدهى أن مرشّحي الرئاسة لا يحضرون جلسات الانتخاب، وحزب الله لم يبذل أيّ مبادرة تسهّل انتخاب أحد حلفائه، وبالتالي فإن رغبته في استمرار الفراغ ليست محل جدل، وهذا الحزب متورط في ملفات إجرام وفساد وإرهاب عابرة للقارات، وسيطرته على ما تبقى من الدولة سيحوّل لبنان كليا إلى دولة مارقة ككوريا الشمالية.
أصدقاؤنا المسيحيون يقولون إن الأغلبية المسيحية رشّحت للرئاسة ميشال عون، وبالتالي لا بد من انتخابه أسوة بما يجري مع رئاسة مجلس النواب ورئاسة الحكومة، وهذه الصورة تبدو صحيحة للوهلة الأولى، لكن الواقع في مكان آخر، الأغلبية السنية منذ إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري عاجزة عن إيصال مرشّحها أو زعيمها إلى السراي الحكومي وبعض ذلك حصل بتواطؤ المرشح “المسيحي” ميشال عون صاحب تصريح “ون واي تيكيت” الشهير، وشاهدنا حكومة يرأسها نجيب ميقاتي بقرار شيعي استند على القمصان السود وتغطية عون، وبعد الحكومة الميقاتية لجأ السنّة إلى التوافق وجاؤوا مكرهين بتمّام سلام، والسؤال هنا إلى عون: لماذا لا يقبل على نفسه ما رضيه لغيره؟
هناك صورة تنتشر بأن السنّة يهضمون الحقوق المسيحية وهذا غير صحيح، فتيار المستقبل لم يضع فيتو على وصول أيّ قطب من الأقطاب المسيحية الأربعة، في حين أن الحزب الإلهي وضع الفيتو على خصومه المسيحيين ويمنع انتخاب حلفائه، ويريد إلغاء الدروز بالقانون النسبي كما فعل بالسنّة مع رئاسة الحكومة، لتكون الجملة الصحيحة: ما يسمى بحزب الله يهضم الدولة وشعبها.
سليمان فرنجية في هذه اللحظة أمام مأزق التوقيت، لقد تكشّفت أضرار ترشيحه تماما بعد هذه الأشهر، وأهمها شرخ ملاحظ في قوى 14 آذار وعجز هذا الترشيح عن معالجة الفراغ، فإذا كان ترشيح سياسي من قوى 14 آذار أو من قوى 8 آذار لم يعالج الفراغ، فالأولى إذن أن نعود إلى طرح مرشّح من ثورة الأرز. وما يثير الدهشة أن فرنجية وعون بعد ترشيحهما لم يتغيرا.
ما أقترحه أن يعلن د. سمير جعجع والشيخ سعد الحريري مهلة زمنية لتأييد مرشّحيهما تنتهي بالجلسة المقبلة في 23 آذار. نظريا، إن حزب الله وحلفاءه إضافة الى القوات اللبنانية يستطيعون إيصال عون إلى قصر بعبدا من دون الحاجة إلى تيار المستقبل الذي لم يضع فيتو على وصول عون، وكذلك الأمر، يستطيع تيار المستقبل إيصال فرنجية إلى قصر بعبدا، لذلك لا مبرر لعدم انعقاد الجلسة، و”غنج” حزب الله وأنانية عون يجب أن تكون لهما نهاية. وما لم تنتج جلسة 23 مارس رئيسا يطرح المرشّح الثالث. ولا يضحكني في هذا السياق إلا مطالبة الحزب الالهي بضمانات، معه السلاح ويطالب الآخرين بضمانات تماما كإسرائيل التي تمتلك قنبلة نووية وتطلب من الفلسطينيين العزّل ضمانات!
حكومة تمّام سلام تحمل على عاتقها كل كوارث لبنان، من أزمة النفايات إلى تحكم الحزب الإلهي بالدولة، ولا يستفيد أحد من استمرارها إلا حزب الله بتمرير أجنداته، لا بد من تلويح العصا بداية بالاعتكاف ثم بالاستقالة لسحب شرعية وجود حزب الله في الدولة التي يعطّلها.
نحن مقبلون هذه الأيام على ذكرى ثورة الأرز في 14 آذار، وقوة هذه الثورة تكمن في شارعها، الشارع رافعة تفاوضية أصيلة وممتازة، وبعودة 14 آذار إلى ساحة الشهداء ستخرج القوى الاستقلالية من شعور الاستضعاف إلى الثقة بالنفس، يجب أن يسمع الحزب الإلهي الشعب اللبناني هاتفا ضد السّلاح غير الشرعي، ويجب أن يعتصم اللبنانيون من أجل إنهاء الفراغ وتحرير الدولة من إيران.
مرة أخرى، هناك فرق بين الحرص وبين الاستسلام، وهناك فرق بين الضغط والمواجهة وبين إشعال الفتنة، والركون إلى الاستسلام – في هذه اللحظة الذهبية النادرة – بمثابة مشاركة الحزب الإلهي في القضاء على لبنان والدولة، فليجرّب تيار المستقبل التحرك الجدّي، فأن يقولوا “حاولوا وفشل” خير من أن يتساءلوا “أين تيار المستقبل”، ولله الأمر من قبل ومن بعد.

صحافي سعودي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فرنجية على أبواب بعبدا
 حل لأزمة لبنان أم تعميق لها؟!



بقلم أحمد عدنان*
بعد وصول سليمان فرنجية (الجد) إلى رئاسة الجمهورية، أصدر الرحابنة المعروفون بميولهم الشهابية، أغنية "ليالي الشمال الحزينة" بصوت فيروز غمزا على رئيس الجمهورية ابن منطقة زغرتا الشمالية، فهم فرنجية الرسالة ومنع الأغنية من البث الإذاعي، على الأقل هذا ما يردده عتاولة بيروت ربما مع بعض البهارات اللازمة لبهرجة القصة.
حين تولى نائب زغرتا وزعيمها سليمان فرنجية رئاسة لبنان عام 1970، وعد اللبنانيين- بصياغة أدبية لسيادة الأمن- بأنهم سيتركون أبواب بيوتهم مفتوحة. لم يعرف فرنجية أن وعده سيتحقق حرفيا، فالحرب الأهلية التي اشتعلت في عهده خلعت الأبواب ثم هدمت البيوت على رؤوس أصحابها.
وفق السيرة التي أعدها جورج فرشخ، فإن فرنجية المولود عام 1910 لم يكمل تعليمه المدرسي لـ"يتفرغ للشؤون العائلية والسياسية". عمل سليمان لصالح شقيقه حميد (من رجال الاستقلال اللبناني وأحد الساسة المحترمين، نافس كميل شمعون على الرئاسة وخسر)، وحين ثقلت وطأة المرض على الشقيق الأكبر، خلفه سليمان في الحياة السياسية وزعامة قضاء زغرتا شمال لبنان.
لا يمكن الحديث عن فرنجية من دون المرور على مجزرة مزيارة عام 1957، فرجال الزعيم “الزغرتاوي” أردوا نحو 32 مصليا داخل الكنيسة بالرصاص في صراع بين عائلات زغرتا على الزعامة السياسية. إذ كان آل فرنجية وآل معوض في حلف يواجه حلف عائلتي كرم والدويهي. وحين وصل العماد فؤاد شهاب إلى رئاسة الجمهورية عام 1958 أصدر عفوا بحق حليفه فرنجية الذي كان لاجئا في سوريا مما أتاح له خلافة شقيقه ثم تولي الرئاسة بعده بنحو 12 سنة.
بعد انتهاء ولاية الرئيس شارل حلو، تنافس مرشّحان على رئاسة الجمهورية: إلياس سركيس (مرشح النهج الشهابي) وسليمان فرنجية (سمي حينها بمرشح الاعتدال). كسب فرنجية الانتخابات بفارق صوت النائب كمال جنبلاط، ونال دعم القوى اليسارية بعد تأييده لسياسات جنبلاط كوزير للداخلية، واعدا بتعيينه مجددا. ولم يف فرنجية بوعده، وندم جنبلاط على إيصال زعيم زغرتا إلى قصر بعبدا ووصف حكمه بعد أشهر من الرئاسة بـ"حكم الجهالة والقفز على القوانين".
تاه الرئيس فرنجية بين القوى اليسارية التي تطالب بالإصلاح وتتهم الأحزاب المسيحية بالحرص على تصفية المقاومة الفلسطينية في لبنان، وبين الحلف الثلاثي المسيحي الذي يتهم الدولة بالضعف إزاء منظمة التحرير. وافتقد للحكمة السياسية والإدارية وتقلّب اعتصاما بعصبه المسيحي مرة وبولائه السوري مرات فانفرط عقد الدولة. وتسلّحت الأحزاب في عهده لتنفجر الأزمة حربا. قررت القوى اليسارية قصف قصر بعبدا وطالب أغلب النواب بعزله أو استقالته، فأخرجه الرئيس السوري من القصر بالأمر المباشر لحلفائه اللبنانيين والفلسطينيين. وأجريت انتخابات رئاسية مبكرة آلت لمنافسه السابق إلياس سركيس. ومع ذلك ظل فرنجية الجد مرشح الرئاسة الدائم من حافظ الأسد.
إثر ولاية الرئيس أمين الجميل، قبل أن تعقد سوريا صفقتها الأميركية “إما مخايل الظاهر وإما الفوضى” وجه حافظ الأسد رسالة إلى القوى المسيحية اللبنانية جاء فيها: "انتخبوا سليمان فرنجية وأسامحكم على ما مضى”، وأسقط سمير جعجع- بغطاء من بكركي (الزعامة الروحية المارونية)- خيار فرنجية كما أسقط خيار الظاهر.
بين الجد والحفيد
يتندّر اللبنانيون في مواقع التواصل الاجتماعي على التشابه الملفت بين اليوم والبارحة، بين تصويت كمال جنبلاط لفرنجية الجد بعد أزمة طائرة الميراج ودعم وليد جنبلاط لفرنجية الحفيد بعد أزمة السوخوي. في ما مضى كانت البلوى في منظمة التحرير الفلسطينية وطامة اليوم في حزب الله الشيعي، وأضف إلى ذلك تطابق الاسم بين الجد والحفيد لتتحسس من احتمال حرب أهلية جديدة تكمل السيناريو المأساوي.
سليمان الجد وسليمان الحفيد يتطابقان في احترام قيم الأسرة مع تقديم الخدمات والولاء للأنصار بلا حساب. ينتميان إلى الخط المسيحي السوري لا العربي. وينتميان إلى الزعامة "الزغرتاوية" أكثر من الزعامة المسيحية، هما مثال للسياسة المناطقية المحدودة داخل الإطار الطائفي الضيق أصلا. وصف كمال جنبلاط زميله في المدرسة فرنجية الجد بالطالب "محدود الذكاء، حاد الطباع"، ربما لا يشترك سليمان الحفيد في هذه الصفات مع جده من الناحية الشخصية، لكنه قطعا يتقاطع معها سياسيا في الحدة خصوصا.
نجا سليمان الحفيد من مجزرة "إهدن" التي ارتكبها حزب الكتائب عبر “القوات اللبنانية” عام 1978 بصدفة قدرية. وصالح فرنجية آل الجميل قادة الكتائب، وصالح المسؤول التنفيذي عن المجزرة إيلي حبيقة، بسبب تحالفه مع سوريا، وصب غضبه على جندي صغير، في ذلك الوقت، أصيب قبل الارتكاب الحرفي للمجزرة هو سمير جعجع بسبب خصومته مع البعث.
سليمان فرنجية الحفيد تميّز بمناكفاته للساسة اللبنانيين من منطق سطحي يعتقد بمصادمة المارونية للسنية وتناقض المسيحية مع الإسلام، شهد عهده كوزير للداخلية في حكومة عمر كرامي الثانية أول انفلات أمني بعد الحرب الأهلية، إذ استباح حلفاؤه (النظام البعثي في دمشق وأتباعه من الساسة والأمنيين اللبنانيين) رجال الاستقلال الثاني كرفيق الحريري ومروان حمادة، إضافة إلى التفجيرات النقالة من الأشرفية إلى عالية.
خلال أزمة التمديد للرئيس إميل لحود، اقترح فرنجية على بشار الأسد ترشيحه لرئاسة لبنان، واشترط الرئيس السوري مباركة بكركي. وأبدى البطريرك الوطني مار نصر الله صفير "عدم معارضته"، فصرح فرنجية للإعلام "انخفضت حظوظ التمديد إلى النصف". ومع ذلك مدد الأسد للحود مبررا ذلك لفرنجية “حزب الله لم يعرفك جيّدا بعد، لذا فضلنا استمرار (لحود) الذي يعطينا ما نريد".
بيروت.. بأي حال تعود يا عيد
الكل يريد رئيسا
يبدو أن الحزب الإلهي قد تعرف على زعيم زغرتا بصورة جيدة، إذ كشف أحد رجالات الحزب لوسيط عربي قبل أشهر طوال “الجنرال عون ليس مقبولا منا أو منكم، اقنعوا حلفكم بفرنجية ننتخبه غدا”. كانت هذه هي الشرارة الأولى التي تقاطعت مع خطوط عدة، منها خط السفير الأميركي في لبنان، ومنها ما دار بين عواصم إقليمية ودولية. تفاعل كل ذلك مع ظروف محلية صرفة في لبنان، فالزعيم الدرزي وليد جنبلاط مهموم بتوريث آمن لابنه تيمور. وسعد الحريري يريد العودة إلى رئاسة الحكومة بأي ثمن لأسباب مالية وشعبية. والأميركيون والأوروبيون يريدون أي رئيس قبل انتهاء الشهر الأول من العام الجديد.
والروس يزعمون المساعدة بوضع خيارين، فرنجية أو أي رئيس، وكان سياق حديثهم أن فرنجية تعويض جيد لإيران سيخفف وطأة سقوط بشار الأسد نهائيا من حكم سوريا. إيران نفسها روّجت محفزا آخر لاسم فرنجية، صون اتفاق الطائف الذي يحمي لبنان من دماء فوارة رغم كل علاته، وفك شيفرة الرسالة الإيرانية معناه "لن تكون هناك 7 أيار جديدة ولن نكرر التجربة الحوثية اليمنية في لبنان عبر الحزب الإلهي"، وهناك من يقول إن عودة الانتظام المؤسساتي، أيا كانت صيغتها، ستحصن لبنان أمام داعش.
في أول دروس السياسة علمونا أن لا نحب وأن لا نكره فالمصلحة أولا، وكذلك في الصحافة كانت النصيحة الأولى “أفصل العواطف عن العمل”، وبهذا المنطق الجاف سيجادلنا المتحمّسون لترشيح فرنجية داخل لبنان وخارجه، ومشكلتنا مع هؤلاء أنهم يقدمون لنا إيجابيات محتملة أمام سلبيات قطعية، ولا يمكن أن أساوي في كفة واحدة بين ما هو محتمل وبين ما هو قطعي.
روج البعض أن ترشيح فرنجية سيشق صفوف قوى الثامن من آذار، لكن ما رأيناه بعد الترشيح هو شروخ ثانوية في محور الممانعة مقابل تصدعات مؤلمة في ثورة الأرز ليس فقط على صعيد العلاقة بين تيار المستقبل والقوات اللبنانية، بل على صعيد تمثيل تيار المستقبل لشارعه، خصوصا وأن جمهور السنة يرى في وصول فرنجية إلى الرئاسة رسالة ضده نظير حرب المحور الإيراني ضد السنة.
ويعتقد البعض أن فرنجية صاحب الولاء السوري لن يستمر كذلك بعد رحيل بشار الأسد. ولست أدري علام استند أرباب هذه النظرية؟ فحتى هذه اللحظة لا توجد مؤشّرات معلنة على سقوط بشار. وإذا غاب الأسد حضر حزب الله وسلاحه، ولا توجد إرهاصات مقنعة توحي بأن فرنجية مستعد لنقل البندقية من كتف إلى كتف لأن شخصيته ليست من هذا النوع، كما أن قدراته الشخصية من وحي تاريخه السابق لا توحي بأهلية ملء موقع المنتصف.
الاعتقاد بأن انتخاب فرنجية يصون اتفاق الطائف ليس مقنعا، فهو لا يستطيع تقديم هذه الضمانة بحكم حجمه، كما أن تسليم اتفاق الطائف لمنطق الابتزاز سيضعفه بدلا من تعزيزه.
الحديث عن أن انتخاب فرنجية يعكس التوازن الداخلي في لبنان ليس صحيحا مطلقا، فالقضية ليست رئاسة الجمهورية مقابل رئاسة الحكومة، بل إننا نتحدث عن فريق لديه رئاسة الحكومة وفريق آخر لديه رئاسة مجلس النواب، لذلك فإن تسليم رئاسة الجمهورية يعني ترجيح كفة فريق على فريق.
من موقع 14 آذار ترشيح فرنجية أكبر إهانة لجمهور ثورة الأرز، وحين يصدر ذلك من سعد الحريري فذلك إساءة للحلفاء أيضا، كنا نسمع أن الثورة تأكل أبناءها، لكن 14 آذار أكلها قادتها بداية من تقلبات وليد جنبلاط مرورا بسيولة الكتائب وانتهاء بفشل سعد الحريري سياسيا وإداريا.
لعلّه لم يبق من ثورة الأرز إلا القوات اللبنانية وجمهور 14 آذار وهما يتعرضان للكيد والتآمر من الحلفاء قبل الخصوم. ولا أراهن على تصحيح المسار الرئاسي وغيره ببيانات الأمانة العامة أو من عواصم إقليمية ودولية، إنما كل الرهان على ساحة الشهداء، وهو رهان متعثر الظروف في هذا التوقيت.
يرتبط سليمان الحفيد بصداقة عميقة مع بشار الأسد كما ارتبط سليمان الجد بصداقة خاصة مع حافظ الأسد، وبالتالي فإن وصول سليمان فرنجية إلى الرئاسة، سيجعل المنطقة تعاني من “بشارين” بدلا من بشار واحد، ربما يؤدي ذلك إلى “داعشين”. وهناك مؤشرات على استعار التطرف المسيحي أيضا، غنت فيروز قبل نحو نصف قرن “ليالي الشمال الحزينة”، ولا نتمنى أن تغني هي أو غيرها أغنية “ليالي لبنان الحزين”، ولله الأمر من قبل ومن بعد.


صحافي سعودي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق