الاثنين، 14 يوليو 2014

القاتل إن بكى!

حبيب الشرتوني

حين كان يبتسم الشرتوني منتشياً "بالنصر" ومعه نبيل العلم وحافظ الأسد، كانت تتمزق أجساد هؤلاء الأطفال برصاص الإنتقام، وكان يبتسم معهم شارون منتشياً
 
حين كان يبتسم الشرتوني منتشياً بالنصر،
كانت أجساد أطفال صبرا وشاتيلا تتمزق بالرصاص!
بقلم جوزف قرداحي 
جريمة إغتيال الشيخ بشير الجميل، ما زالت تواجه الانقسامات الحادة على المستويين الوطني والطائفي، وخصوصاً بعد تصاعد الأصوات الأخيرة المطالبة بالعفو عن منفذ عملية الإغتيال حبيب الشرتوني، وإطلاق الشعارات المؤيدة له، والتي ترفعه إلى مصاف "الأبطال" و"القديسين" الذين نفذوا حكم الإعدام، "بعميل إسرائيلي" استحق عدالة الموت.
بعيداً عن المواقف العاطفية، سواء المؤيدة لعملية الإغتيال أو المنددة بها، فإن السؤال الأكثر أهمية في هذا السجال هو: هل كان قرار "الحزب السوري القومي الإجتماعي"، في تكليف الطالب الجامعي الشاب، الذي لم يكن قد تجاوز الرابعة والعشرين في حينه، حبيب الشرتوني، تنفيذ عملية قتل جماعية بهذا الحجم، وهذه الخطورة، قراراً صائباً وحكيماً؟! وبالتالي من كان المتضرر الأكبر من تلك العملية، لبنان أم إسرائيل؟ وهل حقق الحزب السوري القومي الإجتماعي، غايته المنشودة من هكذا قرار؟!
في حسابات الربح والخسارة بالمفهوم الوطني والقومي لأي دولة ذات سيادة وكيان مستقل، نكتشف فداحة تداعيات الإغتيال، التي دفع ثمنها الأبرياء والعزّل، بشكل صادم ووحشي، وخدم مصالح إسرائيل وسوريا معاً، المتفقتان ضمناً على عملية تدمير الآلة العسكرية الفلسطينية، من خلال تقاسم الأدوار على أداء تلك المهمة... فما عجزت عنه إسرائيل، من خلال قتل العدد الأكبر من المدنيين الفلسطينيين في أثناء إجتياح بيروت، حققه لها حبيب الشرتوني في مخيمي صبرا وشاتيلا، الذي تسبّب من حيث يدري أو لا يدري بتلك التراجيديا الدموية. وبالتالي، حققته بدورها سوريا، حين أكملت على ما تبقى من آلة عسكرية فلسطينية في طرابلس.
حين ألقى جهاز الأمن التابع للسيد إيلي حبيقة القبض على حبيب الشرتوني، عقدت "الشعبة الخامسة" في "القوات اللبنانية" مؤتمراً صحافياً في قصر الرئيس حلو في الكسليك، دعت إليه وسائل الصحافة والإعلام، لتسجيل إعترافات الشرتوني بعملية التفجير، صوتاً وصورة. وقد كنتُ أحد المراسلين الصحافيين، الذين حضروا المؤتمر، وشاهدوا الشرتوني وجهاً لوجه، وسمعوا إعترافاته، التي أعلنها بابتسامته المنتشية، وهو يتأمل بعينيه الحالمتين حقيبة التفجير أداة الجريمة. كان الشارع في الخارج يغلي غضباً وخوفاً، والشرتوني يبتسم. وكانت أجساد الأطفال والنساء والعجائز تتمزق برصاص الإنتقام في مخيمي صبرا وشاتيلا، والشرتوني يبتسم. كانت البلاد تغرق في مصيرها الأسود، والشرتوني يبتسم.

يبتسم؟! أجل، وكان يبتسم معه في نفس تلك اللحظة التراجيدية، أرييل شارون، وهو يُشاهد بنفس تلك العينين المنتشيتين، مشاهد جثث الأطفال الفلسطينيين تتكدس أكواماً في أحياء وزواريب مخيمي صبرا وشاتيلا. وكان يبتسم معهما في تلك اللحظة، حافظ الأسد، وهو يشاهد من خلال عيون الشرتوني وشارون، إنهيار لبنان وسقوطه مرة جديدة بقبضة نظامه البعثي. يبتسم الشرتوني، وكان يبتسم معه شركاؤه في الجريمة من داخل القوات وخارجها، من الذين كانوا قد سهلوا طريقه ومدوا له يد العون في زرع عبواته، في مكانها الصحيح والقاتل.
من استفاد من إغتيال بشير الجميّل؟!
حتماً كل الذين برزت أسماؤهم، ولمعت نجوميتهم، ووصلوا إلى مراكز ومراتب لم يحلموا بها لو بقي بشير حياً. وليس من قبيل الصدف، أن تخرج تعليمات سرية في زمن نفوذ حبيقة، تدعو إلى غسل ذاكرة اللبنانيين من أي ذكرى لبشير ومحو صورة القائد من أذهان وعقول مؤيديه وأنصاره، واستبدالها بصورة قائد جديد، انقلب على خيارات "القوات اللبنانية" 180 درجة، منتقلاً بها من المعسكر الإسرائيلي إلى المعسكر السوري، وسط غموض التحالفات والإنقلابات، الأمر الذي رسم أكثر من علامة إستفهام، حول ضلوع حبيقة في عملية الإغتيال، وسبب سكوت الرئيس أمين الجميل عن محاكمة قاتل شقيقه، طيلة فتره حكمه؟!
من الرابح الأكبر، ومن الضاحك الأكثر قدرة على الضحك عالياً على اللبنانيين؟!
الجميع خاسرون، بمن فيهم إسرائيل وسوريا، وإن ضحكوا في البداية... فلعبة الحرب والدم مهما كان المنتصر فيها قوياً، لا بد أن يبكي في النهاية، يبكي بمرارة ويدفع الثمن... وهو ما تشهده سوريا في أيامها الحالية الصعبة، وهو ما ستشهده إسرائيل في أيامها المقبلة، وهو ما سيشهده كل قاتل مؤمن بلغة الدم والإنتقام.
أخيراً، هل حقق "الحزب السوري القومي الإجتماعي" غايته في إغتيال بشير الجميل؟!
إذا كانت غاية الحزب قتل لبنان، وإدخاله في نفق من الظلام... نعم فقد حقق "الحزب السوري القومي الإجتماعي" غايته بامتياز، وهو ما شهده لبنان في حروبه ومآسيه ومجازره المتلاحقة بعد اغتيال بشير... من صبرا وشاتيلا، إلى حرب الجبل ومجازرها، إلى انقسام الجيش في 6 شباط، إلى حرب "أمل" و"حزب الله" ضد المخيمات الفلسطينية، إلى انهيار الاقتصاد اللبناني، وسقوط الليرة في عهد أمين الجميل، إلى كافة الحروب الحزبية الصغيرة، وانقاسامات الأحزاب والطوائف على بعضها بعضاً، إلى"حرب الإلغاء" و"حرب التحرير" وعملية 13 تشرين الأول، وسقوط آخر مداميك الدفاع عن الدولة في براثن الجيش السوري، وتلزيم لبنان بكل مقدراته لنظام البعث... إلى آخر سبحة الانهزامات والخيبات!   

فلو أدرك حبيب الشرتوني، كم من المآسي والويلات والفواجع سبّبها زر التفجير الصغير، حين ضغط عليه  في تلك الآلة الجهنمية التي أعطاه إياها نبيل العلم، وكم من الأطفال الأبرياء ستتمزق أجسادهم برصاص الإنتقام، لبكى دماً وندماً! 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق