كتاب

سامية السلوم في كتابها الجديد
صراع الآلهة


بقلم إبراهيم اليوسف

سامية السلوم وعلى امتداد صفحات كتابها الجديد "صراع الآلهة"، تدعو للانتماء إلى الوطن، لا إلى الطائفة، كما تدعو إلى القيامة في الحياة، في جنة الوطن قبل الموت، وتدعو إلى حياة الكلمة، لأنها تراها قد أميتت ،وصارت الحروف جثثاً خالية من روح الكلام، وقد تلبسها" المسؤولون" معاني أخرى، مغرضة تبعدها عن حياتها لتعيشهم هم...!
يبدأ الكتاب بمقدّمة، خرجت عن طور التاريخ تشرح فيها أهمية الكلمة في الواقع وفي الدين، وإنّ أهمية الكلمة بتنفيذها كما ورد في الأديان"أن قال الإله فكان الوجود.. والكلمة صارت جسد الله.."
وقد "كثرت الأقوال الّتي لا تسوغ قتل فكر إنسان معاصر، وترويض أناس لم يعرفوا الله محبّة مطلقة...، وأن تعبده يعني ألاّ تملكه، أن تسلّمه قلبك حرّاً من الخوف مطمئنّاً، لتنجز للإنسانيّة فكراً حرّاً من الموت الهرم، وصديقاً للموت الطّفل تطعمه سلبيّات حياتك لتموت في أرضه، وتنبت جمالاً في جنائن إله الكون..."
وعلى هذا المنوال تسرد الكاتبة نظريات للخلق ،وتصل إلى أنّ الله صار اسماً لكلّ معبود "وحتّى من عبدوا " إبليس " في أفعالهم، بالكلمة سمّوه الله...!
قيل: الله تعالى عمّا يدّعون...
وتركهم أحراراً على الأرض..."
زمان الأحداث ليس فقط حرب تموز بل كل الزمن ،على أن يكون "كلّ يوم من عمر الإله يساوي ألف سنه من عمر النّاس..."
أمّا أسماء أمكنة الأحداث: فهي مأخوذة من بلدان متعدّدة، منها لبنان، وإسرائيل، ومصر، وأوروبّا ،وأمريكا، وإيران، في مغارات: مغارة قاديشا، مغارة سماء لبنان، المغارة الكونيّة، وفي طبيعة الكون الواسع..!.
ومن "أسماء الآلهة في مسرح حياة النّصّ وفق اعتقاد آلة حياة": اسم الله، الإله الكونيّ، الإله" الشّيطان"، الإله الحبريّ متعدّد الحالات، الإلهة شمس، القمر الإله، العاشقة الثّائرة عشتار، فينوس إلهة الجمال، آلهة الظلام، إله الخير وإله النّور وإله الشّرّ وإله الظّلمة، إله الإسرائيليّين، الإله المصلوب، الإله النّاريّ، الإله المائيّ، ربّ العواصف، تمّوز إله الحصاد، نيل إله الفيضان، إيل، بعل، أدونيس (القاتل والقتيل)، إله الجان، الإله فرعون، الإله أطلس- ثور، آلهة الأرض، آلهة السّماء، الإله الضّمير، آلهة الحرب اللّبنانيّة، الإله الإنسان، الإله الأسد، أبو الهول، أمّ الهول، الرّعب...
يبدأ الكتاب بحلم يصلب إلهه، ويرث ظلّه، وضمن هذا العنوان نجد "كرسي الأرض تسقف السماء" لنكون أمام حديث خيالي: حول كيف صار الخلق؟ وكيف نزل الله على الأرض فخاف منه أصحاب الكراسي؟، وهو وسع كرسيه السموات والأرض، خافوا على سلطتهم فصلبوه وحكموا باسمه. فحكمهم زائف من جهة ومن جهة أخرى هو مقدّس برأي من همّهم الظاهر.
لم يعد الله على الأرض بل صارت علاقته مع الإنسان علاقة جوهر إلهي مع جوهر إنساني، أمّا عن الأحداث في لبنان فقد "تعالت وتيرة الأحداث، كي ينسى لبنان على جمر نارجيلة الغيب أيّاماً..." والجواسيس الذين كان الأعداء يهتدون بهم لا يشعرون إلاّ "بلمس المال دليل حياة خارجة من رحم قصف عمر آخرين... سعادتهم سرقة القيامة من التّدمير إلى... الدّماااار..."
من المشاهد ،نجد كشف أسرار الإله بعل الذي "حتّى الآن ما زال يُحرَجُ من الظّهور، بعد أن صدّته أنثى الخنزير؛ وإعجابه بها كلّفه حياته... بات يخجل من ضعفه أمام الجمهور في حياة مسرح. ولم يجرؤ أحدٌ أن يُخبر عشتار عن سرّ بعلهاالذي تمنّى وهو يواجه الخنزير أن تنشقّ الأرض وتبتلعه، ومنذ ذاك الحين تحوّلت روحه المفتَّتة إلى جانٍ غاضبين، سمومهم نار على الكائنات يحبّون الانعزال، وينتقمون من كلّ من يأتيهم دون ذكر إله المحبّة بخوف يُطَمْئِنُهُم، وبعض أجزاء من روح الإله آمنت بالله ،ليخلّصها من رغبتها في الانتقام الدّائم من الجمهور الّذي رأى المشهد الخاسر ومن سلالته وأشباههم الضّاحكين..."
تتتابع الأمور، ويقف إبليس أمام عرش السرمد يتلو خطبته بادئاً "باسم الله" ويطلب من أتباعه عدم إيقاظ الإله بعل...
المقطع الثاني "نار تفسّخ الحلم... وتحرق عطش الظلّ للنّور" يبدأ بـ "نيراااان تحرق الحقيقة في حلم الواقع..." وذلك أنّ "بين نار الحبر ونار الإعلان وإعلام التّعتيم... حاولنا الخروج من مغارة الحكاية... أخبرَنا تراب لبنان أن لا أحد يعرف أنّ بعل والقدّيستن كانوا يحتجزون أطفالاً تمرّدوا على الجدران، وما أرادوا أن يلاعبوا الشّمس بالغمّيضة... فأمرهم بعل أن يبقوا هادئين ويسقوا الأرز جذورهم ليبقى خالداً... نام الإله في معبده ولم يتذكّر الأولادَ...
لم يأكلوا إلاّ التّراب فصرنا تراباً وإلى التّراب نعود..."
في هذا المقطع تورد الكاتبة مفارقة بين الله والآلهة المعبودة، وتبرز فساد الأمور بالتعتيم عليها، في الإعلام...، زكلّ ذلك بطريقة عبثية تسلّط فيها الضوء على الإعلانات التي تغطي على الأحداث الحقيقية إلى درجة اللعب...!
جهاد بالنّار مفتوح من أبواب الجنّة، فتحه الله لخاصّة أوليائه، وأغلقه على الأشدّ عداوة للّذين آمنوا بأنّهم منذورون للشّهادة والأسطورة، ترد في فيديو تصوير القيامة المرتجاة لعريس الجهاديّة مسابق زمنه إلى الباب،سقط الفيديو من ملائكة في عناقيد الغضب عندما خاف طريقها من قصفٍ سكران...
هكذا تحتدم الأمور بين عقيدتين يقدّسهما حاملوهما وتتداخل أحداث الحرب المدمّرة مع أفكار الناس، تختلط الدماء بالأساطير...
ويزيد التعتيم على الأمور، فيطلّ نجيم لتوضيحها فيهددوه بالتعتيم على آرائه وبقطع عرقه وأحبائه، وقد عادوه لأنهم جهلوا "تسلّح بالمنطق وتمنطقوا بالسلاح"...
تورد الكاتبة قصة القمر، ولماذا صار يصغر ويكبر "أفادت أخبار أنّه عندما عجز (القمر) عن إرسال خبر المجازر إلى الشّمس وخاصّة أنّها تنفّذ ما طلبه الله ولشدّة انشغالها لا تنظر إلى مرآتها القمر... فلا تفهم حركاته ولا تسمع صوته، ولقد طلب من كوكب الزّهرة رأفة بحياة المحبّين أن يحفر الخبر على وجهه، وأن يعمّق الحفر، ليصل الخبر للمهتمّين مكتوباً على القمر، ولتراه الشّمس دائماً كلّما رأت وجهها حتّى لا تنسى بعد حين وتساعد في سلمٍ أراده الله الّذي يحبّنا حتّى تردّ مرآتنا حبّه إليه عبادة محفورة فينا...
بينما الزُّهرة يحفر دخل الإزميل في مجرى الدّمع الّذي يحتقن منذ أوّل الأحداث حتّى احتلّ مكاناً كبيراً في رأس القمر..."
ثمّ اختفى كلّ ما مضى في حضور قذيفة معنوية كسرت عدسة الحلم. ولأوّل مرة تظهر ماهية المتكلّم في النص "سقطتُ على الأرض كاميرا نقلت أحداثاً وحوارات متعدّدة، من مناطق مختلفة، عاشتها على أرضنا ترتبط بسكّان المغاور على اختلاف اجتماعاتهم... وتوحّد توجّههم العبثيّ وكأنّها جزء من الحدث دون انحياز لفريق في مغارة قاديشا ومغارة سماء لبنان ومغارة الكون الّتي ولد فيها الإله ابن الإنسان تحت الشّجرة الكونيّة"...
بعدها يأتي تعليل دوران الأرض وذهاب الحرية إلى الطبيعة الكونية وقد تعبت من جو لبنان، مع أنها تحبّه، وتركت رسالة تمثّل خلاصة الكتاب في أنّ جوهر الإله واحد، وإن تعددت الأسماء، وجوهر الإنسان واحد، لكن الإنسان يبقى عبداً لما يريد أو يراد له...!
وتأتي حمامة نوح بمكتوب بزيت الضمير المقدّس على زيتونها كلام لله الحي في الجميع "لا تقتل فرح سلام غيرك كي لا يموت الله فيك"
أمّا الحلم الأخير الذي يختم الصراع، وقد ساعدت الحرية في صياغته فقد أتى بصيغة شعرية وصفية مكثّفة، فيها جمالية تعايش المتناقضات بسلام يختصر كل العبادات حتى الحرية من العبادة، أمّا عبادة السلطة، فتترجّى أن تحضر "تحاول الدّخول إلى ذاتنا الجماعيّة الجديدة، لا تعرف أنّ طريقنا الوحيد هو الخروج إلى الذّات الحرّة،أمّا الدّخول فهو خدعة مرايا لصيد..." وكل السلام في سبيل حياة تسعى إلى المعرفة حتى في الصلاة "وقت صلاة لمعرفة الأكوان ننظّف ذاتنا ليستقبل رحم تفكيرها ما لم يجرِ في حياة..."

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق