السبت، 26 مارس 2016

"الآلامThe passion "
لـ ميل غيبسون
تشويه لصورة المسيح!


بقلم جوزف قرداحي
براعة ميل غيبسون الاخراجية ومهارته في تحريك الكاميرا لم تخدمانه كثيرا في نقل اخطر واهم حادثة تاريخية ودينية غيَّرت مسار البشرية منذ الفي عام، بأمانة كاملة.
فقصة الآلام كما رواها الانجيليون الاربعة اختلفت في وقائع كثيرة وتفاصيل قد تكون في غاية الدقة والاهمية عن القصة التي رواها غيبسون في فيلمه "الالام The Passion " المتميز في تقريب الشخصيات من ملامحها الاقرب الى المنطق البيوجغرافي لسلالات الشعوب. (مايا مورغنسترن، في دور مريم ام يسوع، التي اقتربت في تقاسيم وجهها من المرأة الشرق اوسطية، الخمسينية، المفجوعة بمحاكمة ابنها على ايدي الكهنة اليهود والفريسيين. وقد تكون من المرات النادرة التي نرى فيها شخصية مريم الاقرب الى ام رجل تخطى الثلاثين، منها الى صبية يانعة تبدو "ابنة لابنها" على ما عودنا مخرجونا المحليون، رواد هذا النوع الديني من الاشرطة التلفزيونية.
غير ان الافراط في العنف (ادرجته لجنة مصنفات الافلام، تحت خانة "أفلام العنف" التي تحظر على من هم دون الخامسة عشرة مشاهدته) وحصر الفيلم في مرحلة الاثني عشرة ساعة الاخيرة من حياة المسيح، منذ تسليمه على جبل الزيتون الى الجند الروماني، ومحاكمته وتعذيبه وموته ثم وضعه في القبر، لم يخرجه من دائرة العنف الذي أعطاه طابعاً ملحمياً رومانياً، شُحن بالاجواء السوداوية والكثير من الدماء والتشويه الجسدي الامر الذي لا يلتقي مع رواية الاناجيل الاربعة المتطابقة الى حد كبير.
واذا كان اختيار معظم شخصيات الفيلم الرئيسية موفقاً، غير ان لاعب شخصية المسيح، الممثل المعروف (جيم كافيازيل) اعطى في ادائه انطباعاً لا يلتقي مع جوهر المسيح وطبيعته المتفوقة، والتي لا تقارن بالطبيعة البشرية العادية. فبدى المسيح مع (كافيازيل) هزيلاً، ضعيفاً، خائفاً ومتوتراً، في الوقت الذي هو في جوهره وطبيعته، هادئاً، واثقاً، مواجهاً "الكأس المرة" التي جاء من أجلها بصلابة أخافت جلاديه، الامر الذي لم نلمسه في "آلام" غيبسون على براعته في إحضار المشهد الديني وبث الحياة في عروقه. خصوصاً حسن اختياره اللغات الاصلية المحكاة في تلك الحقبة، الآرامية لغة المسيح، واللاتينية الشعبية لغة الرومان.
وقد يكون تأثر ميل غيبسون باسلوب "التضخيم" السينمائي الاميركي خصوصاً في الافلام ذات الطابع الملحمي التاريخي، جعله يقع في فخ الابتعاد عن المناخ "الرسالي" و"التبشيري" لسر الفداء، موظفاً كل مهاراته كسينمائي عريق، والتفوق التقني على الصعيدين البشري والآلي، ليجعل من الساعات الاخيرة لحياة المسيح مجرد صفحة سوداء ومتوحشة من صفحات اليهود الكثيرة في تاريخهم الدموي. وليجعل من فيلم "الالام" اقرب الى افلام "الثريللر" المرعبة، خصوصاً في ادخال شخصيات ايحائية تقترب من شخصيات مصاصي الدماء للدلالة على الشياطين، ولكن باسلوب تشويقي نافر لا يخدم الفكرة الدينية.

ومن المآخذ الكبيرة على فيلم "الآلام" انه بقي غامضاً على المشاهد الآتي من خلفية دينية او ثقافية تجهل جوهر المسيحية في العمق، فلم تصله رسالة التألم والفداء كما هدفت اليها الاناجيل الاربعة، في التمهيد لاعمال المسيح وتعاليمه ومعجزاته قبل الشروع في رحلة الآلام والقيامة. فالمشاهد غير المطلِّع وصلت اليه صورة الآلام قاتمة سوداء، بلا امل او خلاص او هدف، اللهم هدف التعذيب المازوشي، الذي احترفه الرومان ومعهم اليهود بامتياز.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق