الجمعة، 10 أغسطس 2012


ما بين نعيمة عاكف وهيفا وهبي
ومختبر الياس الرحباني!

نعيمة عاكف 
بقلم جوزف قرداحي
قد تكون نعيمة عاكف من الفنانات اللواتي لم يأخذن حقهن من الشهرة الاعلامية بما فيه الكفاية مثل سواها من فنانات جيلها: ليلى مراد، اسمهان لاسباب قد تعود لرحيلها المبكر اثر مرض عضال لم يمهل شبابها الريان الذي فتن موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب، ودفعه الى التلحين لها على الرغم من عدم قناعته بصوتها كقيمة طربية او غنائية تدنو من مطربات عصرها الكبيرات "على ذمة المؤرخ الفني الراحل روبير الصفدي، حافظ أكبر مكتبة موسيقية في الشرق العربي.
غير ان ما أدهشني حقاً، في مشاهداتي لأعمالها الاستعراضية بالاسود والابيض على القنوات الفضائية، هو ذلك الاداء المتفوق والجريء والغني حتى الادهاش والذي على قِدَمِه، سبقت من خلاله وتفوقت على فنانات "الساتالايت" المعاصرات مع كل ما توافر لهن من تكنولوجيا الموسيقى الكمبيوترية، وصناعة "الكليب" الغنائي المتفوقة، وتطوّر العقلية المجتمعية وانفتاحها بهذه الهجمة الهائلة نحو الفن والضوء والشهرة و"الواقع".

هيفا وهبي
ومقارنة ما بين زمن نعيمة عاكف في خمسينيات القرن المنصرم، وزمن  نانسي واليسا وهيفا في مطلع القرن الواحد والعشرين الطاحش على الالف الثالث، وغياب كل دكاترة الشفط والنفخ والرفع الجراحي من عصر تحميض أشرطة السينما يدوياً، والحوارات المدبلجة على الطريقة "المكسيكية"، مع عصر "التيلي شوب" و"الديجيتال" ومخرجة بجمال وعبقرية نادين لبكي. نكتشف كم ان فنانة من وزن نعيمة عاكف لها ما لها من جمال طبيعي ينافس "ملكات الواقع"، وصوت لو اراد الياس الرحباني شخصياً ان يحصي عدد نوطاته، لتجاوز المئة، خصوصاً بعد اكتشافه عشر نوطات في حنجرة "الصديقة الوفية" هيفا وهبي التي كنت بكل تواضع، المكتشف الاول لكمية "نوطات" جمالها غير المحدودة، عبر أغلفة كبريات المجلات اللبنانية والعربية.
ونعيمة عاكف التي انتقلت الى رحمته تعالى وهي في السابعة والثلاثين، حسب روزنامة الصفدي الدقيقة، عملت ثورة في الافلام الاستعراضية مع الراحل أنور وجدي، وانقلاباً إجتماعياً، استفادت منه فنانات جئن من بعدها، مثل هند رستم وشمس البارودي وسعاد حسني. فكانت الفنانة العربية الاولى التي استخدمت عنصر الاغراء في أدوارها، ولكن ذلك الاغراء المترفع. فكشفت عن ساقيها البضتين، وارتدت الشورت والمايوه، وألهبت عيون الرجال، وأشعلت قلوبهم، ومن ابرزهم الموسيقار الكبير عبد الوهاب، فلحَّن لها اغنية "يللي هجرت الروح" ولكنه عاد وتراجع عن إكمال المشوار معها، بعد ان ادرك عدم تناسب الحانه الدسمة، لصوتها الشعبي، البسيط، والمؤدي.
لو عاش عبد الوهاب في زمن المؤديات المعاصرات أمثال: هيفا وسيرين عبد النور ونيكول سابا، مع كل إمكاناتهن الجمالية، لترحَّم الف مرة على نعيمة عاكف، وأعلن فعل الندامة آسفاً، على هدر طاقاتها، وخصوصاً ان أيامها كانت معدودة، فلم يُثري المكتبة الغنائية بمزيد من الحانه الخالدة لصوتها الذي أقل ما يقال فيه انه يحتوي على نوطات قد تحتاج حقاً الى دقة "مختبر" الياس الرحباني لاكتشافها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق