الأربعاء، 25 يوليو 2012

"عأرض الغجر"


"عأرض الغجر"
استعادة لمسرح الأخوين بتوقيع الإبن!        


عنوان فرعي:
هل بدأ توزيع الأدوار واقتسام الحصص بين أولاد منصور الرحباني؟!
وما كان يجمعه الأب تحت جناحيه من وئام بين أولاده، بدأت تفرقه إمرأة جديدة هذه المرة، إسمها هبة طوجي؟!
        

بقلم جوزف قرداحي
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
منذ مسرحية "ميس الريم" العام 1975 وقبلها "لولو" وما قبلها الكثير، مثل: "ناس من ورق" و"يعيش يعيش" و"الشخص" و"صح النوم"، لم يعرف عشاق المسرح الرحباني الأصل، وتحديداً مسرح عاصي ومنصور، حبكة مسرحية حقيقية، وبعيداً عن السرد التاريخي الملحمي، مثل التي شاهدناها في الأمس القريب، على خشبة مسرح "كازينو لبنان" بتوقيع غدي الرحباني تحت عنوان "عأرض الغجر".
يبهرك غدي منصور الرحباني، إبن شقيق عاصي الرحباني، بسرده البسيط، السهل، العميق، الجذاب، لقصة مشوقة وكأنها خارجة من كتاب "ألف ليلة وليلة" لتلامس الواقع، باسقاطات ذكية لماحة، ابتعدت عن الشعارات المباشرة، والكليشيهات الجاهزة.
يعيدك هذا الرحباني المتواضع، في سرده المسرحي ذو التقطيع المشهدي النابض، إلى زمن مسرح الأخوين عاصي ومنصور الرحباني، في معالجتهما للنص المُنزل تنزيلاً مع اللحن، والمحفور دراماتيكياً للمسرح، إلى حد الإستغناء عن بهلوانيات الإخراج، وعقد المخرجين الطليعيين، الذين ابتكروا "مسرح التحنيط" عوضاً عن تطويع ثقافة المسرح لفهم الجمهور.
الشخصيات التي ابتكرها غدي الرحباني، وإن بدت مركبة وتحاكي الخيال، إلا أنها تحمل في سلالتها كل الجينات اللبنانية المتوارثة منذ الفينيقيين، أو أبعد قليلاً... وقراءة سريعة لإسم بطل الرواية: "سلفادور قزحيا حسين" (غسان صليبا)، نكتشف كم أن شخصية هذا المغترب تتقمص الفرد اللبناني في انتماءاته المتعددة والمتلونة. وهو اللامنتمي إلا لمصالحه، واللاملتزم إلا بما يتكيف مع نزواته وأهوائه الشخصية، وقد عاد إلى الوطن ليس حباً بالوطن، بل طمعاً بمزيد من الاستثمارات والأرباح، ولا سيما بعدما اكتشف أنه وريث الصدفة لأرض تقطنها قبائل "الغجر".
الغجرية ألين لحود والمهرّب طوني عيسى

غسان صليبا وألين لحود... تناغم بالصوت والحضور!
من هنا تبدأ بلورة الشخصيات، وتظهير الرواية المسرحية، بقالب استعراضي مبهر إخراجاً وديكوراً وملابس وإضاءة ومؤثرات، ولكن بما يخدم نص وموسيقى غدي الرحباني، فلم يتطاول الإخراج على النص ولا على الموسيقى (مروان الرحباني). كذلك الديكور المبتكر والغني، الذي نقلنا من مناخ إلى آخر، ومن حي شعبي إلى فندق فخم بانسيابية رائعة(أغنيس تربلن تصميماً، ميريم قرداحي تنفيذاً). كذلك تصميم الملابس، الذي على بهرجته، حافظ على الطبيعة البيئية والتراثية للغجر(بابو لحود سعادة).
اللافت أن الممثلين والراقصين على تنوعهم، اتحدوا في اللوحات الراقصة المتنوعة، في تصاعد درامي متناغم ما بين براعة الإخراج، وبين تطويع الأجساد في قوالب الرقص. (كوريوغرافيا: فلكس هاروتيونيان، تدريب الرقص: دانييل الرحباني، تصميم الدبكات: سامي خوري).
أمام كل ما تقدَّم، يجد المُشاهد نفسه وقد أصبح جزءاً من المسرحية، إذ ينقلب سحر الغجر عليه، (مايا يمين، بدور البصارة لوارا) فتأخذه الموسيقى المشغولة بمواصفات عالمية عزفاً وتنفيذاً، إلى أرض الغجر بخيَمِهم وتقاليدهم ونمط عيشهم ونسائهم ورجالهم وأطفالهم، وزعيم عشيرتهم الطامح إلى السياسة والتجنس والثروة. (بول سليمان)... إلى جماعة المهربين والهاربين من وجه العدالة، والمحميين من زعماء ومصالح مشتركة بين دولة القانون والخارجين عنها. (أسعد حداد، طوني عيسى). إلى السمسار جرجس بو دقن، (بيار شمعون) الذي يبيح كل شيء للبيع، حتى الأرض والعرض والكرامات. 


اتفاق المصالح وفندق الوفاق الوطني
اللافت، هو الإنسجام الفيزيولوجي والفني ما بين وجه مخضرم تخطى الخمسين من عمره هو غسان صليبا، الحاضر حضوراً يافعاً شكلاً وصوتاً، وبين إبنة الراحلة الكبيرة سلوى القطريب، ألين لحود، المقتدرة صوتاً وحضوراً وطواعية، رغم يفاعتها وحداثة تجربتها المسرحية. غير أن أكثر من سؤال دار همساً بين المتابعين للمسيرة الرحبانية، عن سبب غياب هبة طوجي عن هذا العمل، ولا سيما أنها كانت المرشحة الدائمة للمسرح الرحباني بعد كارول سماحة التي اتخذت منحى آخر من الغناء، لا يلتقي مع المسرح، ويتطلع إلى صفوف مشاهير "البوب" الغنائي، أمثال: نانسي عجرم واليسا ونجوى كرم وغيرهن. فكان الجواب الخاطف من غدي: "أن هبة طوجي منشغلة بالتحضير لعمل مسرحي مع أسامة الرحباني"، الأمر الذي يفسّر أن العائلة الرحبانية، منشغلة هي الأخرى بتوزيع الأدوار واقتسام الحصص، والتوقيع الفردي الخاص على كل الأعمال القادمة... فما كان يجمعه الأخوان عاصي ومنصور قد فرقته إمرأة بعد غياب عاصي... وما كان يجمعه منصور الرحباني تحت جناحيه من وئام بين أولاده، هل تفرقه أيضاً إمرأة جديدة هذه المرة، إسمها هبة طوجي؟!
         

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق