الأربعاء، 15 يونيو 2016

نهاية العالم!



بقلم ستيفاني السخن
بعد يوم طويل وشاقّ, ينكبّ معظمنا الى شاشات التلفاز لمشاهدة نشرات الأخبار المسائيّة والإطلاع على مستجدّات الحياة السياسيّة والإجتماعيّة للبلاد.
خلال متابعتنا النشرة الاخبارية ينتابنا غالباً الشعور باقتراب فعليّ لنهاية العالم المرتقبة أي نهاية البشريّة المأساوية المُقترنة بعودة "المخلّص" وقيامة الأموات وبداية الحياة الأبديّة.
كما قد نلاحظ تتطابق محتوى عناوينها العريضة مع محتوى "صفحة الوفيّات" الموجودة بين أقسام "الجريدة الرّسمية" التي تنشر لائحة بأسماء الخسائر البشريّة في اليوم الواحد, لعلّ الفرق بين الجريدة والنشرة المرئية هو قدرتنا على التّحكم الإرادي على عمليّة التلقي, على عكس النشرات المُتلفزة التي يصعب علينا تجنّبها أو الحدّ منها بشكل تامّ.
واللافت هو المشاهد الدّموية التي تُنقل الينا بالصوت والصورة دون احترام حرمة الموت أو مراعاة مشاعر المشاهد الهشّة الذي فُرض عليه النظر اليها دون تحذير مُسبق, إذ عند وقوع حادث أمنيّ معيّن, تتهافت جميع وسائل الاعلام الى موقع الحدث  لنقل الواقع المرّ كما هو عليه وتحاول عمداً إضفاء أكبر عدد من المشاهد القاسية  كالأشلاء المبعثرة, ليس بهدف تقييم وقع الحادثة إنّما لتجعل من خبرها مادّة دسمة وسخيّة تجذب اهتمام أكبر عدد من المشاهدين.
أمّا المضحك المبكي في الموضوع هو أنّ الأحداث الأمنيّة والمجازر البشريّة باتت تمرّ "مرور الكرام" على مسامعنا كما لو كانت من المسلّمات أو البديهيّات. لذا أصبحنا نلاحظ غياب مفاجئ لتعاطف حقيقي وطويل الأمد مع الأحداث الإنسانيّة المؤلمة من جهة وغياب ردّة فعل شعبيّة معاكسة من جهة اخرى, فينتهي الخبر وينتهي معه وقعه علينا.
والمؤسف حقاً هو عدم قدرتنا اليوم على التّحكم الإرادي بنوعيّة الأحداث المنقولة إلينا... قد نحاول ربّما مقاطعة نشرات الأخبار المسائية أو البرامج السياسيّة و"المسيّسة", لكنّنا نبقى محكومين بوقع الأخبار العبثيّة المتناقلة على مواقع التواصل الإجتماعي التي لا أبالغ إن قلتُ أنّها تتخطى الحدود المهنيّة والأخلاقيّة في ضخّ المعلومات السيئة لمجرّد الحصول على قاعدة كبيرة من المعجبين والتعليقات وبالتالي حسم المنافسة الإلكترونيّة لصالحها.
في حين يعتبر البعض أنّ الإعلام لا يمارس سوى واجبه المهنيّ ولا يقع اللّوم عليه إنّما على تفاقم الجرائم والكوارث في العالم والتي لا يقوم إلّا بمجاراتها إعلاميا.
وهذا صحيح نسبيّاً, فعلى سبيل المثال يجوز لوسائل الإعلام تغطية المجزرة الأميركية التي وقعت الأمس في "فلوريدا" بالكامل لأنّها تُصنّف من الأحداث المهمّة عالميّاً ونقلها إلينا واجب على الشّبكة الاعلاميّة العالميّة. إنها حادثة أمنيّة بامتياز تنبؤنا وبكلّ أسف بما وصل إليه الفكر الإرهابي.
 ولكن عند غياب الأحداث المهمّة إقليمياً ودولياً, تتعمّد بعض وسائل الإعلام لا سيّما الإلكترونية, تداوُل بعض الأخبار التي لا قيمة منها سوى التضليل والمتاجرة الإخباريّة العبثيّة, كخبر "مقتل امرأة وجنينها على يد زوجها في الصين ودفنها في أرضيّة مرآب المنزل".نتساءل عند قراءتنا هكذا خبر عن الدافع الحقيقي وراء ملاحقة أخبار إجرامية لا تمتّ بالحقيقة ولا بالموقع الجغرافي بأية صلة ولا هدف ملموس منها سوى بثّ الذعر والخوف الغير المبرّر في فكر القارئ الذي سئم منها والذبي بدأت معالم الأمل بمستقبل آمن تتلاشى تدريجياً. هذه الأخبار تملأ صفحاتنا الإلكترونية بالعناوين الكاذبة وبالتالي تملأ عقولنا باليأس والذعر, علماً أن البعض منها "مُفبرك" ومُضخّم وغير حقيقي.
ومن هنا تُطرح هذه الأسئلة, ألا يجوز على السلطات المعنيّة بسط رقابة قانونية  "لغربلة" الأخبار الصحافية  المتناقلة بوفرة على مواقع التواصل الإجتماعي؟ ألا تقدّم هذه الأخيرة بابا واسعا تخول الجدير وغير الجدير دخول مهنة الصحافة بحرّية تامّة من لا شيء؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق