الخميس، 20 نوفمبر 2014

كتاب

وقّع كتابه "على سيرة النوم" وسط حشد من الإعلاميين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فلاح أبو جودة
طبيب أسنان يعالج النوم في كتاب!

 
د. فلاح أبو جودة موقعاً كتابه "على سيرة النوم"
وقّع الدكتور فلاح أبو جودة كتابه "على سيرة النوم" الصادر عن دار "النهار" للنشر، مساء أمس في مجمّع "كاونتري لودج" في بصاليم  وسط حشد من الأصدقاء منهم الوزيران السابقان إدمون رزق وسليم ورده ووجوه اجتماعية وثقافية.
قدمت الكتاب الإعلامية كريستين حبيب التي شدّدت في كلمتها على جمع أبو جودة بين مهنته كطبيب في تقويم الفك والأسنان، والكتابة، "في وقت يبدو فيه كل شيء نائماً: ضمائر السياسيين، الدولة، المؤسسات، كل مفاصل الحياة الوطنية تغط في نوم عميق". وقالت: "كتاب الدكتور فلاح ليس محاولة لمديح النوم فحسب. يطال النائمين على وسادات الحرير، يستهدف حكاماً تحكّموا ولم يحكموا بالعدل".
وفي كلمة ألقاها حول كتابه "على سيرة النوم" قال أبو جودة:
"حين نصحَني الصديق العزيز روني الفا باضافة صفحة اخيرة أذكرُ فيها المراجعَ التي اعتمدتُها في كتابي ، اصابَني ما يشبهُ الحيرة : فأنا لم اجد المراجعَ في مكتبتي بل في ذاكرتي وادركتُ بكلِّ بساطةٍ ان هذا الكتاب لا يضم بين دفتيه سوى الاشعار والاخبار والافكار التي كان يُرددها ابي ونحن صغار ، ولم تكن تعجبنا حينها .
كانت نزهة نهار الاحد تبدأ واعدة ، ونتّبعُ فيها برنامجاً غالباً ما يكونُ متشابهاً : لقد كان ابي يشبّه نفسَهُ بصيّادي السمك في منطقة عمارة شلهوب البحرية ، الذين كانوا يُمضون كلَّ ايام الاسبوع في قوارِبهم يرمون الشباك ويصارعون الموج ، فإذا حلّ نهارُ الاحد وارادوا التنزه مع اولادِهم حملوهم واخذوهم الى البحر . !.
وهذا كان دأبَنا نحنُ : فبعدَ ان نستيقط نهار الاحد ونرتدي ثيابَنا لنخرج ، كان علينا ان نمرّ بالمحطة الأولى وهي مصنع ابي الذي كان يمضي فيه ستةَ ايامٍ في الاسبوع من الصباح الى المساء ، ويشتاقُ اليه نهار الأحد : هناك كانت فُرصتُهُ ليتفقّد العمل المستمر من دون توقف ولكي يرينا ما فعل وما اخترع وما جدد خلال الاسبوع وليعرض عضلاتِهِ امام امي .
مباشرةً بعدها ، كنّا ننطلق في موكِبٍ مؤلفٍ من عددٍ من سيارات الاوستن كامبريدج من مختلف الالوان كان ابي قد نصح اخوالي واصدقاءَهُ بها ايماناً منه بالميكانيك الانكليزي الذي خَبِرَهُ في عمَلِهِ ، وغالباً ما يكون اتجاهُنا محدداً سلفاً لا يتغيّر الا نادراً : صنّين . كانت امي من بسكنتا وكان ابي يحب هذه المنطقة رُغم صعوبة الوصول اليها ووعورة الطرقات عبر وادي الجماجم ، فنروحُ نلُفُ الاكواع متكدسين اربعة في المقعد الخلفي واربعة في المقعد الامامي ، ومتنزهين - بالمعنى الحقيقي للكلمة - على شفير الهاوية ، حيث لم نكن نتجرأ على النظر الى الوادي السحيق . وطوال الطريق كان ابي يخبرُنا اخبارَه التي لا تنضَب :
عن وادي الجماجم وعن الحرب العظيمة التي نشبت فيه ، وكيف عبَرَهُ امين الريحاني سيراً على الاقدام ،
وعن عاصي ومنصور وكيف انك لا تستطيع استبدال اي كلمة بأي كلمة اخرى في اغانيهما .
ثم يصمت قليلاً ويردد لنا مقطعاً من مقال عمي ميشال المنشور يومَها في حقيبة النهار ، محللاً قصدَ شقيقِهِ من كل كلمة ناصحاً ايانا بأن نقرأ بين السطور وان لا نكتفي بالقشور ، ولا زلت اذكره في مطلع صيف ال٧٥ ، مهموماً هامساً ان شقيقَهُ ميشال قال له ان هذه الحرب التي اندلعت منذ عدة اسابيع لن تنتهي قريباً ولما سألته امي الى متى اجابها واجماً ان ميشال قال له ان الحرب بتخلص "بس ينتلي وادي الجماجم جماجم."
ثم يروح يُخبرُنا عن الجهد
وعن الحذر
وعن الحالة التي تُبكي التماسيح
وعن ان الحياة هي للذين يستيقظون باكراً
وعن المهندس الانكليزي في معمل العسيلي الذي لقبه بالساحر من فرط اعجابه به ،
وعن المتنبي وعن قدرِ اهل العزم ،
وعن عم امي ناطور كروم بسكنتا الملقب بالدرويش وابيات العتابا التي كان ينظمها في عرزاله وهو سكران ،
وعن وسام اللغة العربية الذي منحه الاستاذ ميخائيل نعيمة لخالي خليل ومن ثم لأمي ثم عاد ومنحه بعد سنوات لانطوان ابي حيدر الذي سيصبح صهري زوج شقيقتي اليسار في ما بعد،
وعن جدتي ام خليل التي قطعت وادي الجماجم سيراً على الاقدام - قبل امين الريحاني -بعد ان سبقتها البوسطة لتوصل الزوادة لخالي المسجون في سجن القلعة لاسباب سياسية ،
وعن النحلة التي تدخل من الثقب الضيق لجرّة العسل ، فتتغذى وتسمُنُ وتصبح عاجزة عن الخروج من الثقب الضيق قبل ان تخسر كل ما اكلته
وعن هذه المقتلة الكبرى التي تدعى الحياة.
وكنت وانا جالسٌ في حضن شقيقي هاني اسجل ما اسمَعُهُ كالمُسجِّلة وارَدِدُهُ في رأسي بالحاحٍ سيطبع شخصيتي ويظل يلازمُني طوال حياتي فيُضجِرُها حيناً ويميزُها احياناً .
وكنا نُكمل طريقَنا مروراً بسوق بسكنتا حيث بيت جدتي ثم الى صنين وهناك تبدأ المطاعم بالإنتشار يميناً ويسارا ً فلا نختار منها سوى المطعم نفسُهُ في كل مرة وسبب الاختيار ليس الطعام الجيد ولا الموقع المميز ولا الخدمة اللائقة بل غرفة النوم في الطابق العلوي حيث يستطيع المعلم داود النوم بعد الغداء .
وما ان نضع اللقمة الاخيرة في فمِنا حتى يسأل ابي سؤالَه التاريخي : ما هو اعظم اختراع في الكون؟ فنجيبُه جميعاً بصوت واحد : انه النوم
.
فيضحك وينسحب تاركاً الجميع لاحاديِثهم العادية .
...
وكبرت واصابتني اللوثةُ نفسُها و بشكل اكثر حدة وبما انه لم يعد من السهل ايجاد مطاعم مع غرف للنوم صرت اختار منها ما هو قريب ، حيث يكون الذهاب سهلاً اما الرجوع فأمر آخر . وفي احدى المرات سألتني ابنتي لينا :"شو قصة هالنوم معك ، ما في مرة منكفي نهار الأحد؟" فاحسستُ للحظة وكأنها اعادتني بسؤالِها هذا عشرات السنين الى الوراء وايقظت في داخلي ذكريات كانت نائمة لكنها ما فتئت تحور وتدور في رأسي وتسرُقُني من عز النوم فتذكرتُ رحلات نهار الأحد ورِحتُ أُنزِلُ هذه الاخبار وكل ما حَفَظْتُهُ عن ظهري كحملٍ ثقيل ، وجعلتُ لعملي محوراً واحداً هو النوم. انزلتُهُ ليحفظَهُ الحبر والورق من تلف الذاكرة ، هذه الذاكرة التي خلقها الله للانسان ليس فقط كي يتعلم من اخطائه بل كي لا ينسى والديه الذين ربياهُ صغيراً
فالى روحَيْ ابي وامي داود يوسف ابوجودة ولور ابراهيم الحداد اهدي هذا الكتاب قبل ان انساهُما وانسى اخبارَهُما فينساهما كل من جاء بعدي .
كل الشكر للحضور الكريم من اصدقاء واعزاء وزملاء و اهل
والشكر لدار النهار التي اعتنت بهذا الكتاب بدقة الصنائعي الماهر
وللجنة ميشال ابوجودة التي رعت ودعت ممثلةً بالعزيز هشام ،
وللعزيز ميشال هليل حارس مقالات حقيبة النهار والشكر للصديقة العزيزة مي ضاهر يعقوب التي غمرتنا بالمقدمة الرقيقة التي كَتبَتها لِتُذكِّرَنا بخيط القطن الملكي الذي جمع والدينا،
وللعزيزة كريستين حبيب لتقديمِها لنا بابهى صوت وارقى صورة
وللعزيز روني الفا الذي هندس هذا اللقاء فاستشرناه واشار ، وما برِح يرشقنا بحبات نسكه وكلماته التي تدخل الى الروح والجسد كالنوم من دون استئذان ،
ولاختي الكبرى ،اليسار ، التي غمرتني بمحبتها وبكَلمتها .
وللاديب الصديق محمود شريح الذي بهرنا بكلمته الرائعة ،
وللعائلة الصغيرة من اشقاء وشقيقات والى وَلَديْ رامي و لينا وزوجتي يولا التي خسرت الشرط اذ انها كانت تقول كلما رأتني منكباً على كتابي اننا سنرى خاتمة احكام المحكمة الدولية قبل ان نرى خاتمة هذا الكتاب .
ايها الاعزاء يقول الكاتب الفرنسي راوول فولرو ان الفردوس هو عندما ينام المرء وكل من حولِهِ سعداء، لأنه لا يحُق لأحدٍ أن يكونَ سعيداً لوحده ، وانا اضيف ان السعادة هي ان نظل نحب ما كنا نحبُهُ سابقاً وهذا كتاب لا يقال فيه سوى انه كُتِبَ من دون قصد ، فلا غاية من ورائِهِ ولا هدف ، فلا تُحملّوه اكثر من حِمْلِه وتذكروني كلما قرأتموه او كلما اتيتم على سيرة النوم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق