الأربعاء، 25 نوفمبر 2015


قبلة البابا فرنسيس 
تشفي طفلة أميركية من ورم في الدماغ!


أبرزت العديد من وسائل الإعلام الأمريكية، وحتى العالمية، عن ضمور ورم في دماغ طفلة رضيعة تدعى جيانا بعد قبلة خاطفة من البابا فرنسيس، خلال زيارته الأخيرة إلى مدينة فيلادلفيا بالولايات المتحدة.
 
وقال موقع سي إن إن: “كانت جيانا تعاني من ورم نادر في دماغها غير قابل للعلاج، إذ هاجمت خلايا دمها جذع الدماغ لديها بعد أسابيع على ولادتها. ولا يمكن إجراء عملية جراحية لها”، وقد “قصدت العائلة موكب البابا آملين ربما بنظرة سريعة”. وتابع “بفضل أحد الأصدقاء في الـFBI، حمل حارس البابا، واسمه دومينيكو جياني، ليقبلها البابا على رأسها قبلة عفوية”.
 
ويقول جوي وكريستين ماسيانتونيو، والدا الطفلة، “سميت جيانا على اسم القديسة جيانا، وهي قديسة إيطالية حديثة العهد ماتت عام 1962، وقد التقت ابنة القديسة جيانا الطفلة جيانا في زيارة إلى مدينة فيلادلفيا خلال نهاية الأسبوع”. ويضيفان أن “دومينيك هو اسم شقيق جيانا الأكبر. وأن تشابه الأسماء ليس إلا إشارة للتدخل الإلهي”.
 
ويتابع الموقع تقريره: “والدا جيانا يصرنا على أن مستقبلها سيكون مشرقاً، وينتظران بفارغ الصبر يوماً يخبرانها فيه أي فرق يمكن أن تحدثه قبلة”. يقول جوي ماسيانتونيو، والد الطفلة: “منذ عام كنا نفكر بأن نعيش لأجلها، واليوم نحن نفكر بأن نعيش معها”. وختم قائلاً “أعتقد أن كل ذلك من الله، فالبابا هو مجرد رسول من الله”.

الاثنين، 23 نوفمبر 2015

المقدَّس والمدنَّس
ومحنة العقل في الثقافة العربية!


بقلم جوزف قرداحي
في مقدمة كتاب “المقدّس والمدنّس” لمؤرخ الأديان الروماني ميرسيا ألياد، يقول الباحث السوري عبد الهادي عباس: “يدلنا التاريخ القديم أن العرب كغيرهم من الشعوب، بل ربما أكثر من غيرهم، قد أدخلوا صفة القداسة على كثير من الأشياء ونزعوها عن الكثير. ويُذكر في هذا الصدد أن عمر بن الخطاب، قطع الشجرة التي حصلت تحتها “بيعة الرضوان”، مخافة أن يعبدها العرب”.
لعلّ العرب على مرّ تاريخهم وعصورهم، إستطاعوا أن يواكبوا التطوّر ويستخدموا كل إبتكاراته الحديثة في أسلوب حياتهم اليومية، بإستثناء التطوّر في ثقافتهم الدينية، التي توقّف بها الزمن منذ الوحي القرآني الذي نزل على النبي الكريم قبل 1400 سنة.
عرفت أوروبا المسيحية عصراً مشابهاً للعصر الذي نعيشه في الوقت الحالي، حين مارست الكنيسة في القرون الوسطى كل وسائل الترهيب، ضد كل من تعتبرهم مهرطقين وخارجين عن طاعتها، فكانت تكفّر كل من كان يتجرّأ على مخالفة قوانينها وعقائدها، متهمةّ من يتسلّح بالبراهين العلمية لدحض الكثير من معتقداتها المبنية على الأساطير الدينية بمخالفة الكتاب المقدّس والتجديف على العزة الإلهية. ولعل أشهر تلك القصص الحمقاء التي إرتكبتها الكنيسة أيام محاكم التفتيش، هي تكفير العالم غاليليو غاليلي الذي برهن بأن الأرض كروية الشكل وتسبح في الفضاء حول الشمس، فحكم عليه أساقفة الكنيسة المتشددين بالموت، ما لم يُقدِّم إعتذاره ويطلب الصفح والغفران.
بلغ عدد ضحايا “محاكم التفتيش” الذين أعدموا حرقاً أو قُطعت رؤوسهم أو أطرافهم تحت المقصلة، ما يزيد على الخمسة ملايين شخص، معظمهم صدرت الأحكام بحقهم لمجرد الوشاية. فكان يُعامَل “الهرطوقي” مثل الأبرص الذي يجب إبعاده من “الجسم السليم من المؤمنين بالحرمان الكنسي”، ثم النفي أو مصادرة ممتلكاته.
يبدو أن التاريخ يعيد نفسه الآن وإن بأشكال مختلفة، فالتكفيريون الذين كانوا يلجأون إلى “الكتاب المقدّس” لتحقيق “العدالة الإلهية”، باتوا اليوم يستخدمون “القرآن الكريم”. وإشارة الصليب التي كانت تُرسم فوق جثث الضحايا، فقد إستبدلها التكفيريون الجدد براية “لا إله إلا الله”. المقدّس نفسه يُستخدم في المدنّس، فيصبح المدنّس محمياً بهالة من القداسة، لا يمكن المساس به أو رشقه بأي إتهام أو حتى الإحتجاج ضده. فيتعطَّل العقل لتتأجج الغرائز الدينية المدافعة بشراسة عن المدنَّس الملتبس بالآيات والنصوص القرآنية.
الخطير في الإلتباس ما بين المقدَّس والمدنَّس وتمازجهما حتى التماهي، هو حين تصبح المراجع الرسمية والدينية والقضائية أسيرة هذا الوباء الخبيث المختبىء بالمقدَّس. فتتعامى تلك المؤسسات عن الجريمة المتخفية بالرايات المقدسة، لتجلد الضحية إذا ما عبَّرت عن وجعها، تماماً كما حصل مع المعترضين على جرائم “داعش” في منطقة الأشرفية (بيروت)، الذين أحرقوا الراية السوداء التي رُفعت فوق أعناق الجنود اللبنانيين وهم يُذبَحون. ليتحوَّل هؤلاء إلى هراطقة وكفّار يدنسون الراية المغمَّسة بدماء الأبرياء، وقضية دينية تستفز المشاعر وتُحرّك النيابة العامة للإقتصاص من المتطاولين على “العزة الإلهية”!
في الوصف الدقيق لهذا النوع من تقديس العنف الديني هو ما أطلق عليه الفيلسوف الألماني رودولف أوتو وصف “عاطفة الرعب تجاه المقدّس، وتجاه هذا الغامض المخيف، وتجاه هذه العظمة التي تنشر سيادة سلطة ساحقة من القوة”، الأمر الذي يجعل كل ما هو إلهي حالة متفرّدة لا تشبه أي شيء أرضي أو حتى كوني. فالإلهي فوق الكون والزمن والطبيعة، وكل ما يمثله من شعائر وكتابات حتى لو بنيت على باطل لا يمكن المساس به، تحت أي ذريعة كانت.
من هنا ندرك قوة التطرف الديني، وقدرته على التنامي حتى ما بين الأوساط المعتدلة نسبياً، وما ردود الفعل على قتل رسامي الكاريكاتور الفرنسيين الشهر الفائت، ومن مسيحيين معتدلين بالذات تبارك هذا الإعتداء، وتمنح القتلة صك البراءة، إلا دليل قاطع على تقاطع المقدَّس بالمدنّس، ليصبح كل مساس بالرموز الدينية ولو من باب النقد العلمي، عرضة لهدر الدم. ولا ننسى طبعاً الفتوى التي أصدرها الإمام الراحل الخميني بهدر دم سلمان رشدي عقاباً على كتابه (آيات شيطانية)، ومن بعده الفتوى التي أصدرتها المحكمة الشرعية الجعفرية برئاسة القاضي الشيخ عبدالله نعمة ضد المفكر اللبناني مصطفى جحا والتي إعتبرته فيها كافراً ومرتداً، بسبب كتابه “محنة العقل في الإسلام” والذي انتقد فيه بطريقة فلسفية بعض الممارسات الخاطئة في تطبيق الشريعة.
إن شريحة كبيرة من العلمانيين في المجتمع العربي ليست محررة تماماً من التصرّفات الدينية، والثيولوجيات والميثولوجيات. إنها غارقة حتى النخاع بركام من السحر الديني ولكن الهابط إلى درجة الكاريكاتور. فالضجة الأخيرة التي أثيرت حول صورة “جهاد النكاح” التي نشرها المخرج اللبناني شربل خليل، والتي حرّكت دار الفتوى والنيابة العامة والصحافة والمجتمع المدني في لبنان، خير دليل على أن المقدّس في ثقافتنا العربية ما زال مرهوناً في فرج المرأة بكل أشكاله وحالاته. فهو وحده القادر أن يحرّك حواس أولياء الدين الغيارى على الرايات المقدّسة مهما سُفكت عليها دماء الأبرياء.

فعلاً، عالمنا العربي يعيش محنة عقل وإفلاس حقيقي في الدين!

الثلاثاء، 17 نوفمبر 2015

إنقاذ الإسلام:
مهمة الملك سلمان
الملك سلمان... الدور الأصعب!
بقلم أحمد عدنان
يوم 13 نوفمبر 2015 هو عنوان العصر الذي ولجناه بعد حقبة 11 سبتمبر، وحين نتذكر تداعيات ما جرى في سبتمبر 2001 محركين عجلة الخيال لاستنباط ما قد يجلبه لنا عصر نوفمبر، بلا شك سنشعر بالصداع.
لم تكن تداعيات سبتمبر سيئة كلها، إذ احتفظت لنفسها بفضل إدخال العرب والمسلمين إلى أسئلة الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتخلصنا من نظام طالبان، عرفنا لاحقا أن ذلك مؤقت، كرمز للاستبداد الديني، ثم تخلصنا من نظام صدام حسين كرمز للاستبداد الزمني، وبدأت أنظمة المنطقة إثر ذلك في التحلل من أوجه الشبه مع الأنظمة البائدة، مصر حولت الاستفتاء الرئاسي إلى انتخابات وصحافتها تجاوزت كل الخطوط الحمر، تحرر لبنان من الوصاية السورية بعد استشهاد الرئيس الحريري، السعودية اعترفت بالمرأة عبر بطاقة الهوية ثم فعّلت الانتخابات البلدية وسعى الملك عبدالله، منذ كان وليا للعهد، لتحقيق مشروع الإصلاح حتى غادرنا إلى جوار ربه.
كانت تداعيات سبتمبر تحمل داخلها عوامل ردتها، فالدخول الأميركي للعراق لم يجر بالسلاسة اللازمة، وجدت الولايات المتحدة نفسها في حاجة إلى حلفائها التقليديين في المنطقة، تحديدا مصر والسعودية، وعليه عاد حلم التغيير إلى المنام من اليقظة، ثم جرت مياه كثيرة، التمدد الإيراني في العالم العربي، ثم ربيع العرب، صعود الإخوان وسقوطهم، مضاعفات أزمة فلسطين المزمنة، والأعراض الجانبية لكل ما سبق، المأساة السورية وداعش وأخواتها.

ما شهدته باريس يوم 13 نوفمبر غير منطقي مطلقا، هو صدى حالة اللامنطق الطاغية على دنيا العرب والمسلمين، كأنّ أزمات الإسلام، بمظاهره الغربية قبل العربية، ولعنات العرب انفجرت بلا مبرر في أقرب عاصمة لهم، بدت أجهزة الأمن الفرنسية كمتصدية لغزو لا لعمليات إرهاب. في مثل هكذا لحظات يسخر القدر رجاله لتبني المهمات الجسام، أو لابد أن يكون الرجال العظام على أهبة الاستعداد للقيام بواجبات اللحظة التاريخية، وهنا نحسن الظن بالملك سلمان عاهل السعوديين والعرب.
مهما تحدثنا عن براءة الإسلام من الإرهاب، إلا أن إرهاب اليوم له جذر إسلامي ظاهر، ليس من الحكمة إنكاره أو تهميشه، هذه داعش والقاعدة من بنات السلفية، وذلك الحشد الشعبي والحرس الثوري الإيراني وما يسمى بحزب الله من عيال الشيعة، وبإطلالة سريعة سنكتشف على الفور قاسميْن مشتركيْن: الإرهاب والإسلام. ومن الواضح أن الإرهاب السلفي متأثر بابن تيمية وبمحمد بن عبدالوهاب، ومن الأوضح أن الإرهاب الشيعي نابع مباشرة وصراحة من الجمهورية الإسلامية الإيرانية وخادم لها.
لإنهاء التشابك بين الإرهاب وبين الإسلام نحن في حاجة إلى تفاعل ثلاثي دائم بين المملكة العربية السعودية المرجعية السياسية للسنة، وبين مؤسسة الأزهر المصرية (المرجعية الدينية للمسلمين) ومؤسسة آل البيت الأردنية لما تمثله من معان نبوية جامعة لكل الطوائف والمذاهب، والمنتظر قرارات حاسمة تترجم تعليميا وإعلاميا وسياسيا، أولا تصنيف السلفية كطائفة جديدة في الإسلام بجوار السنة والشيعة وغيرهما، ثم العمل على معالجة آثارها السلبية عقديا وفقهيا وسياسيا وثقافيا واجتماعيا على المستويات العربية والإسلامية والغربية، ثانيا الاعتراف بالعلمانية كتعريف نهائي للدولة الحديثة وأن لا خيار أمام المسلمين سوى الإيمان بالدولة المدنية وبنائها والدفاع عنها، ولو كان الإسلام دين السياسة ماضيا فهو حاضرا ومستقبلا دين الفرد الخاص، ثالثا الاعتراف النهائي والكامل بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، رابعا إعلان الحرب على الإرهاب بكل مسبباته ومظاهره وطوائفه، فنتعامل مع التراث المسموم كما نتعامل مع الإرهابي المفخخ والدولة الباغية الجانية.
إن اقتحام لب الأزمة سيضعف تأثير العوامل المساعدة للتطرف، نعلم أن إسرائيل أضعفت هيبة الدول العربية، ونعلم أن إيران أججت السعار الطائفي إلى أقصاه، سيطرة الفشل التنموي على معظم دنيا العرب والمسلمين، وفوق ذلك لا توجد آليات أو أدوات تتيح التغيير أو تداول السلطة أو المشاركة فيها لامتصاص شحنات الغضب أو اليأس أو الحماسة إلى صندوق الاقتراع بدلا من الحزام الناسف، والكارثة الأكبر افتقار الثقافة العامة التي تجعل التغيير سلميا أو قابلا للاستمرار والتفاعل السلمي كما جرى في تونس الاستثناء، نعم كل ذلك من الأسباب والمحفزات لذهنية متوترة ومضطربة ومأزومة ولابد من وضعها في الحسبان.
أذكّر بقمة الملك عبدالله الإسلامية عام 2005 التي أوصت بالاعتراف بكل طوائف المسلمين ومذاهبهم، لم تهتم دول العرب والمسلمين، عمليا، بتلك التوصية حتى أصبحت غير كافية اليوم، لابد من الاعتراف بالجميع بما في ذلك حالة اللادين قبل الأديان السماوية أو غير السماوية، أي اعتراف نهائي وصريح بالآخر يضعنا معه على حد سواء، ومن دون ذلك سندور في حلقة مفرغة.
الحديث عن تداعيات 13 نوفمبر على الوضع السوري أو قوانين الهجرة الأوروبية محض تفصيل، لقد عاد الإسلام تحت المجهر، وسيتم تغييرنا شئنا أم أبينا، وهذه من الإيجابيات المريحة، لكننا نطالب أن يتم ذلك بأيدينا لضبط الوقت والجهد والأرواح والأموال قدر الممكن، أنظر إلى ضحايا التغيير في العراق وأفغانستان وليبيا وسوريا واليمن، إنه الصداع الذي حدثتكم عنه، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

كاتب سعودي

الجمعة، 13 نوفمبر 2015

الحروب الدينية
من كربلاء حتى داعش


يصر الاسلاميون على ان تكون الشريعة هي مصدر القوانين، وهذا يعني أنها ستكون مستمدة من النصوص الإسلامية المقدسة: أي الوحي مباشرة من عند الله إلى النبي محمد، والتي تتمثل في القرآن الكريم وفي أحاديث النبي.
بينما يقول العلمانيون بأن القوانين يجب أن تستمد من العقل البشري والتجارب الإنسانية، وليس من الإسلام (أو ليس من الإسلام وحده كما يقول العلمانيون المعتدلون).

لقد دخلت العلمانية الي الشرق الأوسط مع الاستعمار الأوروبي، وقد تبنتها العديد من النخب الإسلامية بعد الاستقلال على وجه التحديد لأن الدول الأوروبية القوية تمكنت من هزيمة وإذلال الإمبراطورية العثمانية، والتي كان ينظر إليها بشكل عام على أنها الخلافة الإسلامية، أو النظام السياسي الإسلامي السائد.

ولكن العلمانية واجهت أصوات معارضة: وهوالإسلام السياسي. وبالرغم من أن الإسلاميين لا يقدمون فكرهم على أنه مذهب بل ببساطة على أنه الإسلام – أو الدين الحقيقي الذي جاء به النبي محمد – إلا أن نظامهم الديني لديه جذور أكثر حداثة. ففي الربع الثاني من القرن العشرين، نشأت قناعة لدى الجماعات الأولى من الإسلاميين بأنه من الصعب العيش كمسلم ملتزم في ظل نظام علماني، ولذلك بدأوا في تنظيم حركات المقاومة.

وفي عقد الخمسينيات من القرن العشرين، أصبح الإسلاميون أكثر راديكالية، وبدأوا بالدعوة للعودة إلى تطبيق الشريعة بواسطة الدولة. وظلت العلمانية تتمتع باليد العليا حتى عقد الستينيات من ذلك القرن، ولكن كانت هناك محطات مهمة في عقود لاحقة –تمثلت في هزيمة مصر العلمانية على يد إسرائيل في عام 1967، ثم اندلعت الثورة الإسلامية عام 1979 في إيران، وحرب الخليج 1990-1991، فتحول الزخم ورجحت لصالح الإسلام السياسي.

إذن، هناك من يرى أن الإسلام السياسي قد انتصر بالفعل. بالرغم من أن المسلمين في الوقت الراهن ليسوا علمانيين فقط ولا إسلاميين فقط، ومع ذلك فالمسلم العادي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يميل إلى الإسلام السياسي.

فقد أظهر استطلاع للرأي أعده مركز بيو للأبحاث في عام 2013، أن أغلبية كبيرة في مصر والعراق والأردن، والمغرب، والأراضي الفلسطينية ترغب في رؤية الشريعة كقانون للدولة. كما كشف استطلاع أجرته مؤسسة غالوب في عام 2012، أنه في خمسة بلدان في المنطقة وهي مصر وليبيا وسوريا وتونس واليمن، كانت النساء مثل الرجال يؤيدن تطبيق الشريعة. وبالرغم من الانقسامات الداخلية العميقة التي لا تزال قائمة داخل معسكر الإسلاميين على سبيل المثال حول دور الدين في الحياة العامة ودور رجال الدين في الحكومة، إلاّ أن الحكام العلمانيين الآن يحتضنون عناصر من أنصار الإسلام السياسي.

وبالرغم من هذه النجاحات، إلاّ أن الإسلام السياسي لا يزال يواجه شكوكا حول قدرته على البقاء والمراقبين الخارجيين رفضوا الإسلام السياسي على أنه فكرة لا تواكب الحداثة.

وفي الآونة الأخيرة، أكد الخبراء أن تصاعد العنف في الشرق الأوسط، بما في ذلك العمليات الإرهابية الانتحارية وقطع الرؤوس التي تمارسها الجماعات الجهادية مثل تنظيم داعش، هو علامة على وجود حركة يائسة في مراحلها الأخيرة.
إذا كان هناك ثمة درس يمكن أن يقدمه تاريخ الفتن الأيديولوجية في أوروبا نفسها لمنطقة الشرق الأوسط، فهو باختصار: لا تتخلوا عن الإسلام السياسي. فالحروب الدينية في أوروبا تبين لماذا يعتبر الاستخفاف بالأيديولوجية التي عفا عليها الزمن على ما يبدو، أمرا خطيراً للغاية.
في العديد من المحطات والمراحل خلال تلك الحروب، كان المنطق يملي بوضع حد للأعمال العدائية، حيث أن عبء التنافس بين الكاثوليك والبروتستانت كان يقع على السكان المحليين وعلى الاقتصادات. وفي عدة منعطفات تاريخية، بما في ذلك في عام 1555، عندما وافقت بعض الإمارات الألمانية البارزة على تقرير مصيرها من الناحية الدينية، ثم في عقد التسعينيات من نفس القرن عندما انتهت الحروب الدينية في فرنسا، وحصلت الجمهورية الهولندية البروتستانتية على استقلالها من اسبانيا الكاثوليكية، بدا أن الأزمة قد مرت. كما بدا أن الأمراء والنبلاء، ومجالس المدن، ورعاياهم قد استقروا على السلام العملي. حيث سادت العقلانية السياسية البراغماتية، وتزايدت الآمال في أوروبا جديدة تسعى فيها الدول إلى تحقيق المصالح المادية، وليس المطامح المذهبية.



لكن أوروبا لم تتخلص من العنف الأيديولوجي، لأن أزمة الشرعية التي أدت إلى ذلك العنف ظلت قائمة دون حل. وقد بقي معظم الأوروبيين يعتقدون بأن الاستقرار السياسي الدائم يتطلب حالة من التوحد أو التشابه الديني. وطالما بقوا على ذلك الاعتقاد، يمكن لأدنى شرارة أن تعيد استقطابهم إلى مجموعات معارضة متطرفة، وهو ما حدث بالضبط عندما دفع التمرد البروتستانتي في ” بوهيميا “أوروبا إلى حرب الثلاثين عاما في عام 1618م. حتى ذلك الوقت، لم يكن الأوروبيين قد فصلوا مسائل الدين عن الأمور السياسة، وبنهاية القرن، فقدت تلك العقائد الدينية قوتها التحريضية.

لقد حدث نوع مختلف من الترويج الإيديولوجي المكشوف في حقبة زمنية حديثة، خلال الصراع العالمي بين الليبرالية والشيوعية في القرن العشرين. ففي عقد الثلاثينيات من القرن العشرين، كانت المتاعب التي تسبب فيها الكساد العظيم في تلك الفترة أقنعت العديد من المفكرين الغربيين البارزين بأن الديمقراطية الليبرالية فكرة فات أوانها. وقد بدا لفترة من الوقت، أن الدول المركزية ذات القوانين والأنظمة القسرية كانت مجهزة بشكل أفضل للتعامل مع التحديات الاقتصادية والاجتماعية الجديدة، مما دفع بعض المفكرين لاعتناق الشيوعية. بل هناك عدد قليل أيضاً قام بزيارة ​​الاتحاد السوفياتي وعبر علانية عن إعجابه، حيث أن الصناعة لم تتوقف في عهد جوزيف ستالين، وكان التصنيع يسير على قدم وساق ولم يدخل العمال في الإضراب. هذه المشاعر كتبها الصحفي الأمريكي لينكولن ستيفنز: "لقد كنت في رحلة إلى المستقبل، إنها فكرة ناجحة." لكن في نهاية المطاف، انتعشت الديمقراطية الليبرالية وكسبت الرهان.

ليس المقصود هنا أن الإسلام السياسي سينجح بالضرورة في الشرق الأوسط، إلا أن الأذكياء يمكنهم التقليل من جدوى أنظمة سياسية بديلة، وأحيانا بنتائج خطيرة. إن من أسرار بقاء الإسلام السياسي لهذه المدة الطويلة هو أن الآخرين درجوا بإستمرار على التقليل من قدره. ويظهر التاريخ أيضا أن عمر العقيدة أو المذهب الفكري يمكن أن يطول عندما يكون في كنف دولة راعية، كما حدث مع الديمقراطية الليبرالية في ثلاثينيات القرن العشرين وكما هو الحال مع الإسلام السياسي اليوم، وهو أبعد من أن يكون في طريقه للخروج، بل إنه يتأهب لجولة ثانية.

باسم الإله؟
الإسلام السياسي، مثل العديد من الأيديولوجيات المتنافسة القديمة، ليست متجانسة. وبالرغم من أن الإسلاميين يتفقون بشكل عام في إخلاصهم للشريعة، ألا أن مشاربهم مختلفة: فهم بين السنة والشيعة، والمتطرفين والمعتدلين، والقوميين والأمميين، بل حتى "الامبرياليين".

وقد أدى هذا التباين إلى إثارة نقاش في الغرب حول ما اذا كان ينبغي على الولايات المتحدة وحلفاؤها أن يستوعبوا المعتدلين، وهي النسخة البراغماتية من الإسلام السياسي بحيث تتنافس مع الحركات الأكثر تطرفاً. فالذين يرفضون احتواء الولايات المتحدة وحلفائها لأي من فصائل الإسلام السياسي يتصورون الإسلام السياسي حركة واحدة، توحدها الكراهية للغرب. وأما الذين يؤيدون الاحتواء، يرون أن الإسلام السياسي جماعات متفرقة من الداخل.

هذا النقاش ليس بجديد، ومعارضي هذا الفكر كثيرا ما يحاولون استغلال الانقسامات الأيديولوجية لترجيح كفة الصراع لصالحهم. فعبر التاريخ الغربي، ظلت القوى الخارجية تحاول من وقت لآخر استخدام تكتيكات مثل "فرق واحتل"، بالرغم من أنها خرجت بنتائج مختلطة، وفي بعض الأحيان، كانت نتائجها عكسية. تأخذ منحى الحروب الدينية مرة أخرى. فهذا الصراع الطويل أدى إلى حدوث انشقاقات في الأيديولوجيات المهيمنة في أوروبا، وبعض الإيديولوجيات الناتجة صمدت لتتنافس مع النسخ الأصلية. فالبروتستانتية بدأت لوثرية في البداية ولكن سرعان ما تطور مذهب (Zwinglianism ) في سويسرا و (Anabaptism ) في ألمانيا، قبل أن تنتشر نسخة الكالفينية في فرنسا والأنجليكانية في انجلترا.

الكالفينيون واللوثريون كانوا يتنافسون في الغالب على النفوذ وربما كانوا أشد عداوة لبعضهم البعض من أي مجموعات كاثوليكية أخرى. وسلالة هابسبورغ الكاثوليكية التي حكمت الإمبراطورية الرومانية المقدسة عملت بلا كلل من أجل تعميق وتغذية هذه الانقسامات. لكن في نهاية المطاف، فشلت هذه الاستراتيجية ولم تنجح لا في إضعاف الكالفينيين ولا في منعهم من تشكيل جبهة موحدة مع اللوثريين في حرب الثلاثين عاما.

والخدعة التي تعرض لها الغرباء، كانت في تأكيد ما إذا كان بعض المنظرين يميلون لمحاربة التطرف ومعرفة كيفية زراعته. وكان من الممكن القيام بذلك بنجاح.



الصراعات الأيديولوجية في كثير من الأحيان تعمل على تعميق الانقسامات الاجتماعية لدرجة أن الناس أصبحت أكثر ولاء للأجانب الذين يؤمنون بنفس مبادئهم بدلاً من بني جلدتهم الذين لا يؤمنون بهذه المبادئ. وهذه الاشتباكات تسهم بتهيئة الشعوب والدول إما للصداقة أو العداوة مع الجهات الخارجية الفاعلة، وخصوصا مع الجهات القوية بما يكفي كي تمكنها لترجيح الكفة لصالحهم أو لصالح خصومهم. كما أن الجهات الأجنبية من جانبها، ترى في هذه الأزمات فرص لتكوين صداقات جديدة أو لمنع ظهور أعداء جدد.
النزاع الدائر حالياً بين الإسلام السياسي والعلمانية، سينتهي في يوم من الأيام كما انتهي غيره من المنافسات الفكرية الطويلة الأخرى. والقوى التي تتدخل في النزاعات من الخارج لا تحتاج لأن يكون لديها أية رهانات دينية في النزاع؛ أحيانا الرهان المادي وحده يشكل دافعاً كافياً للتدخل.


وفي أحيان أخرى، الحسابات الأيديولوجية والمادية تتضافر معاً فتدفع تلك القوى إلى التدخل. على سبيل المثال، خلال ثورات الربيع العربي في عام 2011، أرسلت المملكة العربية السعودية التي يهيمن عليها السنة قوات عسكرية الى البحرين للمساعدة في وقف التمرد الشيعي، وبالتالي احتواء تمدد الإسلام الشيعي من تلك الناحية، وتحجيم قوة إيران التي يهيمن عليها الشيعة من ناحية أخرى. ثم بعد فترة قصيرة، تدخلت إيران في سوريا لدعم نظام الأسد ضد المتمردين السنة الذين من المرجح أن يجعلوا من سوريا موالية للمملكة العربية السعودية إذا ما انتصروا. ومثل هذه التطورات أدت إلى مخاوف من أن منطقة الشرق الأوسط ستشهد ظهور دويلات متهورة ذات منطلقات إيديولوجية عازمة على تدمير النظام الإقليمي. وبعض المراقبين يشعرون بالقلق، بأنه إذا حصلت إيران على أسلحة نووية، قد تستخدمها لزعزعة التوازن الهش في الشرق الأوسط بل حتى قد تقود إلى نهاية العالم.

الاثنين، 9 نوفمبر 2015


هل شجّع عبد الناصر التحرر الجنسي في الأفلام
لمحاربة "الإخوان المسلمين" ؟!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السينما المصرية
من الجنس إلى الحجاب!

 













بقلم جوزف قرداحي

تكاد تكون مصر البلد العربي الوحيد الذي يرتبط تاريخه الحديث بصناعة السينما، وبالتالي تكاد تكون القاهرة المدينة الأكثر إلتصاقاً بثقافتها السينمائية التي جعلت منها هوليوود العرب من دون منازع، إلى درجة أن الباحث في التاريخ الحديث لذلك البلد لن تعترضه أية معوقات، لسهولة المصادر ووفرتها في الأفلام المصرية التي تُعتبر الشاهد الأكثر دقة في مواكبة الأحداث التي عاشتها البلاد منذ العام 1896 أي منذ رأت السينما المصرية النور على يد شركة الإنتاج الفرنسية دار لوميير، بعدما أرسلت مبعوثاً لها إلى مصر ليقوم بتصوير مجموعة أفلام توثيقية قصيرة لبعض المناظر في الإسكندرية والقاهرة والمناطق الأثرية على النيل، وقد بلغ عدد هذه الأفلام حوالي 35 شريطاً تسجيلياً عرضت في جميع أنحاء العالم. وقد تم عرض تلك الأفلام في مدينة الإسكندرية في العام 1897 بواسطة جهاز عرض إستقدمته من فرنسا شركة لوميير للإنتاج السينمائي.
إقتصرت العروض السينمائية في مصر على الأفلام السياحية والمناظر الطبيعية حتى العام 1900 الذي شهد ولادة أول فيلم روائي صامت على يد الإيطالي فرانشيسكو بونفيلي وزوجته. وقد تم عرض الفيلم الصامت الذي أدهش المصريين في صالة مقهى “سانتي” في الأزبكية، الأمر الذي لفت الإنتباه إلى أهمية هذه الصناعة تجارياً، وما يمكن أن تدرّه من أرباح مادية هائلة.

مع مطلع العام 1905 بدأت ورشة بناء صالات العروض السينمائية تشهد إزدهاراً لا مثيل له، وفي عام واحد تم إفتتاح ثلاث صالات سينمائية شهدت إقبالاً جماهيرياً لا مثيل له، الأمر الذي شجّع كبار الرأسماليين الأجانب في مصر على تأسيس شركات متخصّصة لإنتاج الأفلام، مثل شركة عزر ودوريس في الأسكندرية التي باشرت في العام 1907 بإنتاج أول فيلم مصري جرى تحميضه وطباعته في معاملها المستقدمة من إيطاليا وفرنسا.
لعب الإيطاليون المقيمون في مصر دوراً أساسياً في صناعة السينما المصرية، وقد خاض المصور أمبرتو دوريس بالإشتراك مع بعض الإيطاليين مغامرة إنتاج الأفلام الروائية الباهظة الكلفة، وأنتج في العام 1918 فيلمين روائيين قصيرين بتمويل من “بنك روما” هما “الزهور المميتة” و”شرف البدوي”. غير أن المردود التجاري للفيلمين اللذين عُرضا في صالة سينما “سانت كلير” في القاهرة لم يكن بحجم الآمال المعقودة عليهما لإفتقارهما إلى نكهة البيئة المصرية. ما جعل المخرج لارتشي يتّعظ من الخطأ الذي وقع فيه ويعمل على تصويبه في فيلم آخر أنتجه في العام عينه تحت عنوان: “مدام لوريتا” لعبته فرقة مصرية مؤلفة من الأب فوزي الجزايرلي وإبنته إحسان التي أدت الشخصية الرئيسية وإبنه فؤاد. الجدير ذكره أن فرقة فوزي الجزايرلي التي تأسست في العام 1917 كانت قد إكتشفت الفنان محمد عبد الوهاب وضمته إليها حيث لعب في الكثير من مسرحياتها التي إستمد منها خبرة الوقوف على المسرح ومواجهة الأضواء.

أدرك كبار رجال الأعمال وفي طليعتهم طلعت حرب أهمية الصناعة في مصر، وفي مقدمها صناعة السينما، فعمل على تمويلها وتحويلها إلى صناعة قومية تضخ الأموال، ووضع خطة لإنشاء “إستوديو مصر” الذي تم تدشينه في العام 1934، وكان واحداً من أكبر وأهم شركات الإنتاج التي أحدثت نقلة نوعية كبيرة في عالم السينما، حيث إنطلقت عجلة إنتاج الأفلام المصرية بشكل هائل، وكثر عدد المشتغلين في هذا الحقل الجديد. ويعتبر “إستوديو مصر” المدرسة الأولى التي تخرَّج منها كافة العاملين في الحقل السينمائي. كما أرسى قواعد العمل في الفن السابع، ومثل مرحلة تطور مهمة في تاريخ صناعة السينما جعلتها تنتقل من أيدي الأجانب إلى أيدي المصريين.




بعد الحرب العالمية الثانية تضاعف عدد الأفلام المصرية من 16 فيلماً عام 1944 إلى 67 فيلماً عام 1946، ولمع في هذه الفترة عدد من المخرجين مثل أحمد بدرخان، وهنري بركات، وحسن الإمام، وإبراهيم عمارة، وأحمد كامل مرسي، وحلمي رفلة، وكمال الشيخ، وحسن الصيفي، وصلاح أبو سيف، وكامل التلمساني، وعز الدين ذو الفقار، كذلك عميد السينما المصرية يوسف وهبي، صاحب المقولة الشهيرة: “شرف البنت زي عود الكبريت، ما يولعش غير مرة واحدة”، وأنور وجدى الذي قدم سلسلة من الأفلام الإستعراضية الناجحة، وأيضاً فنانات وفنانين مثل ليلى مراد، وشادية، وفاتن حمامة، وماجدة الصباحي، ومريم فخر الدين، وتحية كاريوكا، ونادية لطفى، وهند رستم، وعمر الشريف، ويحيى شاهين، وإستفان روستي، وفريد شوقي، وأحمد رمزي، وصلاح ذو الفقار، ومحمود المليجي.
حتى ذلك التاريخ، حافظت السينما المصرية على رومانسيتها، ولم تقارب مشاهد الحب الحميمة إلا إيحاء على الرغم من إنفتاحها في ذلك الوقت على الثقافات الغربية، ولا سيما أن الإحتلال الإنكليزي في عهد الملك فاروق الأول (1936- 1952)، وعلى الرغم من مناوأة الشارع المصري له، إلا أنه ساهم في شكل أساسي في إنفتاح المجتمع المحافظ على الغرب، ومحاولته التماهي مع الكثير من عادات وتقاليد الأوروبيين، فكانت المرأة المصرية تنافس المرأة الباريسية في أناقتها وتحررها، وكانت واجهات محلات الأزياء في الأسواق التجارية الكبرى تستورد من أيطاليا ولندن آخر صيحات الموضة.

هذا التحرر الإجتماعي، إنعكس في شكل مباشر على السينما المصرية التي عرفت عصرها الذهبي مع نجمات تخلّين عن “عود الكبريت” الإجتماعي الذي نادى به يوسف وهبي طويلاً، وتحوّلن إلى رموز للإغراء والإثارة والجنس في الأفلام المصرية، نافسن اهم نجمات هوليوود إلى درجة أن بعضهن إنتزع الألقاب منهن، مثل هند رستم التي لُقِّبت بمارلين مونرو الشاشة المصرية، وشمس البارودي التي قلبت كل مقاييس الأفلام الساخنة في “حمام الملاطيلي”، وناديا لطفي التي تخطت الأرقام القياسية في مشاهد القبل الحميمة مع عبد الحليم حافظ في"أبي فوق الشجرة".



قبل هند رستم وشمس البارودي وناديا لطفي ومريم فخر الدين، لم يكن الإغراء فالتاً من عقاله على ما يقول المثل في فترة الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي. وإنما كان ينطوي على شيء من الخفر وإن لامس جرأة الظهور والأداء مع سامية جمال وتحية كاريوكا ونعيمة عاكف، اللواتي على الرغم من كسرهن “تابوهات” ومحرمات المجتمع الشرقي المحافظ، إلا أنهن حافظن على مزيج جمع دلال الأنوثة وشيطان الإغراء بملاك الخجل. لتنقلب الصورة الرومانسية للإغراء مع ولادة نجمات باهرات الجمال والإثارة من قماشة هند رستم التي أسست نهجاً مختلفاً في الإغراء، تأثرت به معظم الفنانات اللواتي جئن من بعدها، مثل سعاد حسني وناديا الجندي ونيللي وشريهان وغيرهن.

مع الإطاحة بحكم الملك فاروق في العام 1952 على يد الضباط الأحرار، ومن ثم صعود نجم أحد الضباط الأحرار الأكثر كاريزماتية جمال عبد الناصر الذي خلف محمد نجيب في العام 1954 بعد وضعه في الإقامة الجبرية، أصبحت السينما المصرية ذات منحى ثوري إيديولوجي، متأثرة بفكر ونهج قائد الثورة عبد الناصر الذي أحدث تغييراً جذرياً في الحياة الإجتماعية، فألغى الطبقية التي كانت سائدة في عهد الملك، وأَمَّم الأراضي والشركات الخاصة، ونقل الفلاحين من أجراء عند الإقطاعيين إلى مالكي أراضي يستثمرونها ويعيشون من خيراتها. هذه النقلة النوعية التي رسّخها عبد الناصر زادت من ثورية المجتمع وتحرّره، ولا سيما أمام خطر ظهور تيار إسلامي متشدد حاربه عبد الناصر بكل قواه هو تيار “الإخوان المسلمين” الذي حاول الهيمنة على الحالة الشعبية والطبقات الفقيرة والإنقلاب على ثورة الضباط الأحرار والتآمر على النظام. فترجمت السينما المصرية مناهضتها لفكر ونهج “الإخوان” السلفي، بالمبالغة والمغالاة في مقاربة الجنس والإثارة، فكان التنافس على أشده بين نجمات شباك التذاكر، اللواتي قدمن أفضل مواهبهن في مشاهد العري والقبل والإيحاءات الجنسية المباشرة.






عاشت السينما المصرية في الفترة الممتدة ما بين منتصف ستينات حتى نهاية سبعينات القرن الفائت عصرها الذهبي مع نجمات لم يتورّعن عن التخلي عن آخر قطعة من ملابسهن التي تغطي أجسادهن البضة، فجاهرت ناهد شريف بالظهور عارية الصدر تماماً (ذئاب لا تأكل اللحم)، وناهد يسري تخلت حتى عن ملابسها الداخلية التي تغطى آخر جزء حميم من جسدها (سيدة الأقمار السوداء)، وسعاد حسني جمعت ما بين الدلع والإثارة والجمال، فتربعت على عرش السينما المصرية من دون منازع، ولعل أهم أفلامها “خللي بالك من زوزو” الذي لعب سنة متواصلة في الصالات شاهد على ذلك.

عرفت فترة سبعينات القرن العشرين أيضاً تنافساً منقطع النظير ما بين نجمتين تقاسمتا شباك التذاكر طويلاً هما ميرفت أمين ونجلاء فتحي، فقدمتا أدواراً جريئة ولكن ذات طابع إجتماعي هادف (أنف وثلاث عيون) (دمي دموعي وابتسامتي) (ثرثرة فوق النيل) وغيرها. وكان القاسم المشترك بينهما محمود ياسين وحسين فهمي، فإستخدمهما المخرجون رمزين متناقضين للرجل المصري الآتي من بيئتين، إحداهما فلاحية شعبية (محمود ياسين)، والأخرى أرستوقراطية تنتمي إلى المجتمع الوافد إلى مصر (حسين فهمي). وهو ما يعكس الصراع الطبقي العنصري الذي حاول الرئيس أنور السادات محاربته، وتكريس مجتمع يندمج مع الغرب، وذلك أيضاً من باب مناهضة الأصولية "الإخوانية" التي حاولت زعزعة عهده طويلاً، وإنتهت إلى إغتياله في العام 1981 على خلفية ظاهرها توقيع إتفاقية كامب ديفيد في العام 1979، ولكن باطنها كان انتقاماً لإعتقاله كوادر وعناصر من التنظيم الأصولي.

وإذا كانت فترة ستينات القرن الفائت عرفت فتوّة فريد شوقي و”دونجوانية” رشدي أباظة اللذين جسدا رمز الرجل الذي تقع في حبائله النساء، الأول لفتوته وتجسيده شخصية إبن البلد (فريد شوقي)، والأخير لارستوقراطيته وخلفيته الإجتماعية الثرية (رشدي أباظة)، فإن حسين فهمي ومحمود ياسين جاءا ليكملا نموذجي الفلاح والأرستوقراطي، ولكن بأسلوب أكثر عصرية، وبعيداً من العضلات، وإن جمعت النجوم الاربعة المشاهد الحميمة في فراش أجمل سيدات الشاشة المصرية.



ثورة التحرر الجنسي في السينما المصرية التي تزامنت مع ظاهرة “الهيبيز” في العالم، لم تستمر طويلاً، إذ أنه مع بداية منتصف ثمانينات القرن المنصرم، بدأ المجتمع المصري يشهد تحوّلاً وميولاً لدى شرائح واسعة من السكان للعودة الى التقاليد القديمة والإلتزام الديني والإحتشام وبداية سماع أصوات علنية تدعو المرأة الى الحجاب. وبالفعل، فقد أحدثت تلك الدعوات حالة من القلق والذعر في الأوساط الفنية، وشهدت تلك المرحلة إقبالاً غير مسبوق على إلتزام الحجاب من فنانات كن رمزاً للإغراء والإباحية ، وكانت أول المستجيبات لتلك الدعوات شمس البارودي التي أعلنت إعتزالها بعدما وضعت الحجاب، لتكر السبحة من بعدها بشكل مضطرد، وتعلن مجموعة من فنانات مصر إلتزامهن الحجاب، ومن بينهن سهير رمزي، سهير البابلي، شادية، شهيرة محمود ياسين، وأخيراً من الجيل الجديد حنان ترك وهلا شيحا وصابرين.

الردة الإسلامية التي تأثرت بها فنانات مصر، إنعكست على حركة السينما التي بدأت تعاني ركوداً مخيفاً، الأمر الذي أجبر المنتجين على الإتجاه نحو الأفلام المسطّحة والخالية من أي مضمون قد يعتبره الجمهور المحافظ منفراً وخادشاً للحياء. إلى أن جاءت نبيلة عبيد ومعها مجموعة من الفنانات المغامرات مثل ناديا الجندي وإلهام شاهين ليفتتحن موسماً من الأفلام الجريئة، ولكن من النوع الذي يعالج قضايا إجتماعية عميقة، مثل “قضية سميحة بدران”، و”توت توت”، و”كشف المستور” وملف سامية شعراوي” و”الإرهاب” و”الرغبة” و”سوق المتعة” . الأمر الذي خلق في المقابل مجموعة متحفّظة من الفنانات مسايرة للمجتمع المصري المتحوّل الى “الأسلمة الأصولية”، مثل منى زكي، غادة عادل، ياسمين عبد العزيز وغيرهن من الجيل الجديد، الذي لم يستطع أن يعيد أمجاد السينما المصرية الى سابق عهدها، على الرغم من محاولات جريئة قامت بها المخرجة إيناس الدغيدي، التي انتجت وأخرجت مجموعة من الأفلام الجريئة أثارت موجة عارمة من الإنتقادات، نتيجة طرحها مسألة الجنس بشكل مباشر وبعيداً من الأقنعة الإجتماعية المحافظة، مثل "دانتيلا" و"كلام الليل" “ومذكرات مراهقة”، "إمرأة آيلة للسقوط"، "لحم رخيص" و”الباحثات عن الحرية”، ولا سيما أنها فضحت زيف المجتمع المصري الذي يعيش على تناقض ما بين العفة الظاهرة في الملابس، والأباحية المتفشية بشكل صارخ حتى في أرجاء أكثر المؤسسات التي تدعو الى الفضيلة. ولا ننسَ أيضاً محاولات خالد يوسف في صناعة أفلام من رونق أستاذه المخرج العالمي يوسف شاهين، فقدّم للسينما المصرية أفلاماً أثارت جدلاً واسعاً ولكنها لم تلقَ الترحيب الجماهيري المتوقع لها، مثل: "خيانة مشروعة" و"حين ميسرة" "دكان شحاته"، فقدم إلى الشاشة وجوهاً جديدة خاضت تجربة التمثيل للمرة الأولى، مثل: سمية خشاب وغادة عبد الرازق وعلا غانم وهيفا وهبي وغيرهن، فأخرج منهن ذروة مواهبهن الساخنة خدمة لقضاياه، الأمر الذي قولب شخصياتهن في إطار لا يستطيع التحرر من قالب الجنس والإغراء إلا بمجهود ومعجزة.


بإختصار العصر الذهبي للسينما المصرية الذي عاشته في ماضيها وتخسره في حاضرها، ما هو سوى إنعكاس لمجتمع كلما تطور العصر من حوله غرق في التاريخ، إلى درجة يُخشى معها ألا يجد حضارة أجداده الفراعنة الذين حكموا العالم في غابر الزمان، بل الخوف كل الخوف أن يغرق في مزيد من الظلام، ليفقد أجمل وميض سينمائي شعّ على العالم العربي من دون منازع ذات يوم.


الأحد، 8 نوفمبر 2015

أعجوبة

مار شربل يشفي الطفل عماد الدين
بعدما عجز الأطباء عن إنقاذ شقيقه التوأم محمد!

الطفل عماد الدين بعد شفائه

في الحادي والعشرين من حزيران الماضي، أصبح علي والداً للمرّة الأولى، والداً في لحظة باكرة وغير متوقّعة. دخلت نور إلى المستشفى بصورة طارئة بعد أن شعرت بآلام مفاجئة، لقد كانت حاملاً بتوأم في شهرها السادس، وكان لا بدّ من توليدها حرصاً على حياتها وحياة التوأم.
مات محمد وبقي عماد يقاوم
هكذا ولد عماد الدين (580 غراماً) وشقيقه محمد (430 غراماً) في الأسبوع السادس والعشرين، وُلِدا باكراً قبل أن يكتمل نموّهما ووظائف أجهزة الجسم، وخصوصاً الجهاز التنفسي والقلب، ما سبّب انقطاع التنفس عنهما وإعاقة حصولهما على الأوكسيجين في شكل صحيح. وضعا في الحاضنة الاصطناعيّة لإيصال الأوكسيجين والغذاء الضروري لإكمال نموهما.
بعد عشرين يوماً من المعاناة والانتظار والسهر والنوم أمام غرفة الحاضنة الاصطناعيّة، فجع علي وزوجته نور بالخبر السيئ، توفّي محمد، استسلم جسمه الصغير ولم يعد قادراً على التشبّث بالحياة. يروي علي لـ"النهار": "كنا طوال تلك الفترة متعلّقين بأمل ضئيل في إمكان تحسّن عماد ومحمد، فحيناً يقول لنا الأطباء أن علينا الانتظار ليزيد وزنهما، وحيناً آخر يقولون لنا إن الأمل ضعيف جداً، فلنصلّي لهما. توفّي محمد بعدما عجز عن المقاومة، وبقي عماد معلّقاً بأنابيب الأوكسيجين لإيصاله إلى رئتيه غير المكتملتين، وبأنبوب موصول إلى شريان القلب الأساسي لتغذيته".
مار شربل يتشفّع لعماد
عماد الذي ولد باكراً، ولد مثقوب القلب، غير قادر على التنفس، ويعاني فتقاً في بطنه، بقي يقاوم، وظلّ متمسّكاً بالحياة، يتابع علي: “بعد مرور شهرين في الحاضنة الاصطناعيّة، كان الأمل بتحسّن عماد يتراجع ولم يعد الجهاز الطبي قادراً على شيء، اتصلت بي والدتي وأخبرتني بأنها شاهدت تقريراً على التلفزيون عن أعجوبات مار شربل، وبأنه يشفي الناس، وطلبت مني أن أجلب زيتاً من الدير وأدهن جسم الصبي. سألت أحد أصدقائي المسيحيين عن كيفيّة الوصول إلى الدير وجلب الزيت، فقال لي (حظك حلو، أنا مبارح كنت بعنايا وجبت زيت معي) أخذت الزيت وذهبت إلى المستشفى، دخلت إلى الحاضنة ودهنت جسم ابني به، حتى أنني تشاجرت مع الطبيب الذي حاول منعي عن القيام بذلك، لأن عماد لا يملك مناعة وكان من الممكن أن يلتقط ميكروبات من الزيت غير المعقّم، فقلت له (الصبي رايح ورايح، ما بقى إلي غير مار شربل)”.
في اليوم التالي، تلقى علي اتصالاً من المستشفى ليأتي ويأخذ ابنه، لم يصدق بداية، ذهب كالمجنون ليرى ماذا حلّ بعماد “عندما اتصلت الطبيبة المعالجة، وقالت لي حرفياً (يلا يا بابا تعا خود ابنك ع البيت ما بقا بدو أوكسيجين) لم أصدق، ظننت أنهم يريدون إخراجنا من المستشفى، ذهبت ودخلت لرؤيته، كانت الأنابيب منزوعة عنه، يتنفس من دون أوكسيجين، كشفت عليه، حتى “الفتاق” الموجود في بطنه اختفى، ومنذ ذلك الحين يعيش من دون الحاجة لأوكسيجين”.
سني أؤمن بمار شربل
عاش علي ونور خوفاً دائماً ومرارة قاهرة، فحيناً يعطيهما الطبيب أملاً وحيناً آخر يقطعه عنهما. صبّرهما الله ولم يكن أمامهما سوى الصلاة، عاشا في الحاضنة وناما في المستشفى ليالٍ كثيرة، ويتابع علي: “لولا أعجوبة مار شربل، كان من المحتمل أن يعيش عماد طوال حياته على الأوكسيجين أو أن يكون مصيره مشابهاً لمصير شقيقه التوأم محمد، طلب مني الأطباء تجهيز البيت بأوكسيجين لأنه سيكون بحاجة دائمة له، صحيح أنني مسلم سنيّ، ولكن مار شربل أقرب إلى الله من كلّ الناس، وهو يسمع له ويستجيب لشفاعته، في ديننا هناك شخصيّات لها قيمتها لدى الله، ولكنه لم يمنحها قدرة الشفاء مثل مار شربل الذي نسميه ولياً. أنا لا أفقه في الدين كثيراً ولكنني رأيت ماذا حصل معي، لقد كنت مؤمناً منذ البداية أنه سيشفي عماد”.
بعد خروج عماد من المستشفى، نذر علي أن يأخذه إلى مار شربل، ووفى بنذره، "ذهبنا إلى دير مار شربل في عنّايا، وصليت وشكرت مار شربل على نعمته، وسجّلنا الأعجوبة في سجلات الدير، وما زلت حتى اليوم أصلي لهذا القديس وأزور ضريحه وكنيسته، الحمد الله على نعمه، اليوم يعيش عماد حياته بصورة طبيعيّة من دون أوكسيجين ومن دون أي دواء، صحته جيّدة ووزنه 7 كيلوغرامات و800 غرام. ونموّه العقلي والجسدي ممتاز".
لقد حقّق مار شربل منذ 20 تموز الماضي 92 أعجوبة، 11 منها مع غير مسيحيين، 5 منهم سنّة، و3 شيعة و3 آخرين دروز، بحسب ما يؤكّد القيّم على الدير ومسجّل عجائب القديس الأب لويس مطر. فمن دير عنايا حيث أضاء شربل السراج بالماء لا بالزيت، وصل نوره إلى المعمورة وطالت نعمه كلّ من آمن به وتشفّع له.

فيفيان عقيقي/ "النهار"