السبت، 27 يونيو 2015


أسطورة الرقص الشرقي
هويدا الهاشم
انتظروني... سأعود!

هويدا الهاشم على درج فيللتها في ليماسول

كل أمجاد الفن لا تعوّض المرأة لحظة واحدة من شعورها بالأمومة!
                     

بقلم وكاميرا
جوزف قرداحي / ليماسول
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


هويدا الهاشم في حوارها مع جوزف قرداحي

لماذا هي اسطورة الرقص الشرقي؟!
لأن هويدا الهاشم ارتقت بالرقص الشرقي من الأضواء الخافتة إلى أنوار المسرح الساطعة، ونفضت عنه آثام الإثارة المبتذلة وألبسته ثوب الإغراء الراقي، وانتشلته من أزقة البيوت السفلية ونقلته إلى بيوت العائلات المحترمة.
منذ إشراقتها الأولى على عالم الفن، أصبح للرقص الشرقي عصران: عصرٌ ما قبل هويدا الهاشم وعصرٌ ما بعدها. فأقبلت بنات الجامعات على مدارس الرقص تأثراً بها، بعد أن كان الرقص الشرقي مقيداً بأغلال التقاليد ومضطهداً من شريحة كبيرة من المجتمع المحافظ. فجاءت هويدا الهاشم إلى ساحة الفن الراقي، كحورية خارجة من الأساطير، كأميرة من حكايات الف ليلة وليلة، كشهرزاد عصرية تدهش شهريار بخصرها الذي يحكي مع كل إيقاع ونغمة ألف حكاية وحكاية.

هويدا الهاشم في أحدث صورة لها بكاميرا جوزف قرداحي

غابت هويدا الهاشم منذ أكثر من عشر سنوات عن ساحة الرقص فجأة، ودون سابق إنذار أو عذر شرعي تخفف به حرارة الشوق اليها، شوق الملايين من عشاقها ومعجبيها، فغابت الأضواء عن ساحة الرقص، وخصوصاً بعد انتشار موجة المغنيات الراقصات، التي غزت الفيديوكليبات بأغنيات هابطة في المستوى والأداء، والمرتكزة على الإثارة الرخيصة والمشاهد الإباحية.  فأحدث غياب هويدا المفاجىء فراغاً حقيقياً في ساحة الرقص الشرقي، وترك الكثير من علامات الاستفهام حولها. منهم من قال: اعتزلت، ومنهم الآخر قال: تزوجت، ومنهم الأخير قال: هاجرت وتركت كل أمجاد الفن في سبيل التفرغ لعائلتها ولحياتها الخاصة.
لكن ما حقيقة الأمر؟ وهل يحق لمن امتلكت المجد من جميع أطرافه، أن تتخلى عنه بكل هذه السهولة في سبيل الحب والزواج والأمومة؟!

وكأن الأمس هو اليوم

أسئلة كثيرة حملتها معي من بيروت إلى قبرص، ولا سيما أن فاصلاً زمنياً لا يقل عن العشر سنوات انقطعت في خلاله أخبار هويدا عني، على الرغم من التواصل الدائم مع شقيقها الشاعر والملحن جورج الهاشم الذي كان قد أطلق منذ فترة شهر تقريباً موقعاً يحمل إسمها على "الفايسبوك" أشعل بصورها وكليباتها وأغلفتها مواقع التواصل الإجتماعي، وألهب مشاعر عشاقها ومعجبيها الذين توافدوا للإنضمام إلى صفحتها بالمئات، حتى وصل عددهم وبفترة لا تتجاوز الاسبوع ما يزيد عن المليون متتبع لأخبارها وصورها وأكثر من عشرين ألف منتسب والحبل على الجرار. وهو الأمر الذي زاد من حماستي ودفعني للتوجه من بيروت إلى مقر إقامتها في ليماسول، للتأكد والأستفسار والإطلاع عن كثب على ما يدور في كواليس عائلة هويدا الهاشم التي حضنتها منذ انطلاقتها، واستمرت في رعايتها في أوج مجدها وشهرتها، وما زالت تحضنها وترعاها برموش العيون كما لو أنها في الأمس واليوم وغداً.
في فيللتها المتربعة على هضبة جميلة من هضاب ليماسول، التقيت أسطورة الرقص هويدا الهاشم وكان هذا الحوار:
·       التقيكِ اليوم كما التقيتكِ في المرة الأولى لصورة أول غلاف لكِ بكاميرتي على مجلة "الشبكة"... هل تذكرين؟... وكأن الأمس هو اليوم، وكأنك لا تتأثرين بالزمن!
-        وكيف لي أن أنسى أهم وأجمل لحظاتي الجميلة؟! لقد كانت تلك الصورة التي أقف فيها أمام بركة السباحة في "الغولدن بيتش" من أهم الصور ومن أهم أغلفة المجلات الفنية. كانت فعلاً أياماً جميلة على الرغم من أنها كانت في زمن الحرب. كنا نعرف كيف نصنع الفرح في زمن الحزن والقتل المجاني، ولولا تمسكنا بالحياة وصمودنا ما بقي لبنان.
·       كنتِ في ذلك الحين "حديث البلد" الحقيقي، وحديث أهل الفن وأهل الصحافة والإعلام، إلى درجة أن أقلاماً كبيرة لأدباء كبار كتبت عنك مثل الأديبين الراحلين جورج ابراهيم الخوري الذي وصفكِ ب"الدرة اليتيمة" أي الجوهرة النادرة، وجورج جرداق الذي كتب عنكِ في زاويته الشهيرة: "فوق كتفيها وتحت قدميها كل حقوق المرأة"، وزغلول الدامور الشاعر جوزف الهاشم الذي وصفك في برنامج "جار القمر" على محطة "الأوربيت" بـ "شهرزاد الرقص الشرقي" التي ترتجل الرقص أمام جمهورها تماما كما كانت شهرزاد ترتجل الحكايات أمام الملك شهريار، و"صانع النجوم" سيمون أسمر الذي وصفك بـ"البركان" المتحرك على المسرح، ولا أنسى طبعاً الفنان السوري الكبير دريد لحام الذي قال حين شاهدك ترقصين: أن هويدا الهاشم تطرب النظر برقصها كما الوسوف يُطرب السمع بغنائه.
هويدا الهاشم: الأمومة هي المجد الحقيقي للمرأة

ولكن السؤال: كيف لهويدا الهاشم أن تتخلى عن كل هذه الأمجاد وهذه الأضواء، وتختفي عن الأنظار بسحر ساحر، ودون سابق إنذار؟
-        سأختصر لكَ الأمر وأقول بكل بساطة: كل أمجاد الدنيا، لا تعوّض شعور المرأة بالأمومة... فالمجد الحقيقي هو هذا الشعور العاطفي النبيل، الذي يجعل المرأة تدرك كنه أنوثتها الحقيقية مهما حققت من أمجاد. فكل أمجاد الفن برأيي لا تعوّض المرأة لحظة واحدة من شعورها بالأمومة!
·       أفهم من كلامك هذا أنك تخليتِ عن فنكِ في سبيل الزواج والإنجاب وبناء عائلتك الزوجية الخاصة؟
-        حياة الفنان تمر بمراحل مثل أي إنسان عادي. يحب، يتزوج وينجب. وقد يأخذ استراحة من الفن قد تطول وقد تقصر. ولكن الفنان الحقيقي لا يمكنه أن يتخلى عن فنه لأي سبب كان، ومهما طال غيابه لا بد أن يعود من جديد إلى ساحته!
·       وكأنك تعلنين بطريقة غير مباشرة أنك ستعودين إلى ساحة الرقص؟!
-        نعم سأعود، ولكن بطريقة مختلفة عن السابق، ومن خلال العروض الأستعراضية على المسارح الكبيرة، يتخللها تابلوهات راقصة مع فرق فولكلورية ضخمة ومن ثقافات متعددة وبلدان مختلفة!
·       ستتخلين عن الرقص الشرقي التقليدي لصالح الرقص الفولكلوري؟
-        لا، إطلاقاً... سأمزج ما بين الرقص الشرقي الأصيل والفولكلور. والرقص في الأصل له جذور واحدة ولغة جامعة، وهي لغة التعبير بالجسد، سواء عبر الفولكلور أو الباليه أو الإيقاعي الشرقي.
·       هذه بشرى سارة لجمهورك الذي اشتاق لفنك الأصيل؟
-        أعد جمهوري في لبنان والعالم العربي وفي بلاد الإغتراب بأنني سأعود، انتظروني!
·       هنالك الكثير من التساؤلات وخصوصاً من الوسط الفني عن سبب عودتك الحقيقية، بعد كل هذا الغياب الذي طال أكثر من عشر سنوات؟
-        السبب الحقيقي لعودتي وكما قلتُ لكَ سابقاً هو حبي لفني واشتياقي لجمهوري... كل فنان معرض لظروف معينة قد تحجبه مؤقتاً عن الأضواء. وخصوصاً حين يكون عليك أن تعطي الأولوية لأمور لا يمكن تأجيلها مثل الإنجاب والأمومة. فأنا منذ أنجبت إبني الذي أصبح اليوم في الثامنة من عمره كرست كل وقتي وحياتي له، وهي المرحلة الأهم في حياة الطفل. وأنا دوري كأم أهم بكثير من دوري كفنانة، وخصوصاً في المراحل الأولى من حياة طفلي. فلا يمكنني مثلاً أن أعهد بإبني إلى المربية أو الخادمة كي تربيه عني. أريد أن اراقبه كيف يكبر، كيف يتنفس، كيف يأكل، ويضحك ويبكي، كيف تنمو أسنانه الأولى، وكيف يتعلم مشيته الأولى، كيف يقف على رجليه الطريتين كلما تعثّر ووقع ثم يحاول النهوض من جديد. أريد أن أتحسس جلده الطري حين أحممه، أن اتنشق رائحته، أن أعبر له كم أحبه، لا بل كم أعبده!
·       حين أشاهدك كيف تطبخين الطعام بيديكِ ثم تعدين المائدة بنفسك لتطعمي ابنك المجدرة، لا أتخايلك سوى بنت الضيعة، تعيشين الحياة اللبنانية القروية التقليدية بكل بساطتها، وبعيداً عن كل الرفاهية التي تحيطك في فيللتك الفخمة؟
-        صدقت، أنا قروية بطبعي، ولدت في القرية وترعرت بين طبيعتها، أحب البساطة في العيش بعيداً عن كل المظاهر المزيفة. عمري ما أحببت المدن وضجيج المدن، على الرغم من ابتعادي عن قريتي الشوفية سرجبال منذ اندلاع الحرب في لبنان. ولكن جذورك تنقلها معك اينما اتجهت أو تغيرت الجغرافيا والأماكن.
(يتبع)
في الحلقة المقبلة:
هويدا الهاشم:
ترقص على المسرح على إيقاع التيكواندو!



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق