الاثنين، 14 يوليو 2014


بشير الجميل:
مناضل أم متآمر، شيطان أم قديس؟!

بشير الجميل... مع إبنته المغدورة مايا

بقلم جوزف قرداحي
يختلف اللبنانيون حول تحديد هُويات أبطالهم، كما يختلفون حول توحيد كتاب تاريخهم، وإن اتفقوا على أصولهم الفينيقية مع بعض التعديلات طبعاً. الأمر الذي يبرهن على حقيقة جيناتهم الموروثة في الانقسام على بعضهم بعضاً، وفي تحالفهم الأبدي والدائم ضد بعضهم بعضاً، لحساب ومصلحة الغزاة كائناً من كان هؤلاء الغزاة، فيمعنون في اضطهاد أهلهم من سكان المدن الفينيقية المجاورة، وإخضاع أترابهم وأولاد عمومتهم وأبناء جلدتهم ولغتهم، ولو بجزمة القوى الغازية من وراء البحار.(صيدون تحالفت مع الإسكندر ضد صور). لستُ أدري ما إذا كان الفينيقيون قد انقسموا إلى طوائف ومذاهب دينية منذ ذلك الوقت، ولكن من المؤكد أنه لم يكن بينهم  ثمة موارنة، وارثوذكس، وشيعة، وسنة، ودروز، وكاثوليك، أوعشائر من آل المقداد، أو آل الجميل، وجنبلاط، وشمعون، وسلام، وفرنجية وكرامي وغيرهم!

بشير الجميل في حرب المئة يوم،
 يواسي المدنيين في الأشرفية

وإذا كان اللبنانيون منذ أجدادهم، ينقسمون على جنس الملائكة، فكيف لا ينقسمون على تحديد هُويات زعمائهم وشهدائهم وأبطالهم وقديسيهم وشياطينهم؟!
ولعل شخصية الرئيس الراحل بشير الجميل، من أكثر الشخصيات اللبنانية جدلاً على هذا المستوى. فتاريخ الرجل يشهد محطات انطبعت بالقسوة، ورائحة البارود والدم، على الرغم من خروجه من عائلة إقطاعية محافظة من مشايخ آل الجميل في الجبل المتني، حاملاً منجل الفلاحين في وجه العائلات الإقطاعية التقليدية في يد، وفي اليد الأخرى بارودة الثوار في وجه من اعتبرهم خطراً على الكيان اللبناني واستقلاله، وهم المجموعات الفلسطينية المسلحة من اللاجئين، ولا سيما حين اصطدم بهم في أكثر من مناسبة، بعد حادثة توقيفه واختطافه على أحد حواجزهم المنصوبة في شوارع العاصمة القريبة من مخيم "تل الزعتر" المتاخم لمنطقة الدكوانة ذات النشاط الحزبي الكتائبي الكثيف، في تلك المرحلة من العام 1973 وما قبلها وما بعدها.

ثائر أم متآمر؟!

المفارقة أن بشير الجميل هذا، اليميني المتطرف، الخارج من حزب يميني أكثر تطرفاً وعنصرية، هو حزب "الكتائب اللبنانية" صاحب الشعار الأشهر: (ألله، الوطن، العائلة)، كان من حيث يدري أو لايدري، ذو نزعة يسارية، نضالية ثائرة، تؤمن بضرورة التغيير بالسلاح وبالانقلابات العسكرية، على قاعدة معظم الأحزاب اليسارية العاملة في لبنان، (القومي، الشيوعي، الإشتراكي إلخ.) وقد التقى معهم في مناهضته لصيغة الـ 43 الوفاقية، التي وصفها ذات يوم، بصيغة التكاذب وليس التعايش، ناعياً إياها، ضارباً عرض الحائط، جهود وفضل والده رئيس حزب الكتائب في  تأسيسها، إلى جانب رياض الصلح وبشارة الخوري وكميل شمعون ومجيد إرسلان وصبري حماده وغيرهم.

مع والده الشيخ بيار في بكفيا

يشهد تاريخ بشير الجميل، حقائق ثلاثة لا يمكن سوى التسليم بها، وهي: 1- نزعته العسكرية القوية، وميله إلى الحسم سعياً لتوحيد البارودة والسيطرة المطلقة، ولو كلفه الأمر إلى القيام بعملية خطيرة بحجم "مجزرة إهدن" (حزيران 1978)، أدت إلى شرخ مسيحي كبير، لم يلتحم حتى اليوم. ومن ثم تنفيذ ما يُعرف بعملية الصفرا (تموز 1980) والتي حصدت ما حصدت من الأرواح، ثمناً (لأمن المجتمع المسيحي).
2- إيمانه المطلق بقضيته، والنضال من أجلها حتى النهاية، وبشتى الوسائل، ولو كانت إحدى تلك الوسائل التعامل مع الشيطان، واللجوء إلى إسرائيل لمده بالسلاح والعتاد والتدريب. (جوزف أبو خليل/ قصة الموارنة في الحرب).
3- وصوله إلى سدة الرئاسة الأولى، على الدبابات الإسرائيلية، وتحالفه العسكري مع أركان قيادة الجيش الإسرائيلي في اثناء غزوه بيروت العام 1982، لكسر آلة منظمة التحرير الفلسطينة العسكرية، وإخراجها من لبنان.

رئيس تجمع الأحزاب الوطنية وليد جنبلاط
يتوسط نبيه وياسر عرفات

أمام ما تقدم، نكتشف أن تاريخ الرجل الظاهر لعيان الفريق اللبناني الخصم، ثقيل جدا على أن يتمكن اليساري من بلعه وهضمه، وخصوصاً على ذاك اليساري الذي عاش في ظل الكوفية الفلسطينية، وفي كنف المخابرات السورية، وحضن أبو عمار وحافظ الأسد، وحكام عنجر... وإن كان الوجه الآخر لبشير الجميل النضالي، يلتقي مع مبادىء وعقيدة الكثير من الأحزاب المحسوبة على "الجبهة الوطنية التقدمية"، التي تنادي بالحرية والعدالة الإجتماعية ومقاومة الاستبداد ومحاربة الظلم، الذي تعاقَبَ على ممارسته ضد اللبنانيين بكافة طوائفهم وانتماءاتهم، كل من منظمة التحرير والفصائل الفلسطينية المسلحة، والجيش السوري العامل في لبنان. فذاق اللبنانيون على أيدي تلك الجماعات "الحليفة" جنوباً وشمالاً وبقاعاً وفي المدينة بشرقيتها وغربيتها، ألواناً من الاضطهاد، والإغتيالات، وأعمال القصف والتفجير، والخطف والتعذيب والترهيب، لم تعرفها اقبية السجون الإسرائيلية ولا معتقلاتها على الرغم من كل فنون التعذيب التي ابتكرها الاسرائيليون بحق المعتقلين اللبنانيين والعرب.

مع الرئيس كميل شمعون

وإذا قلّبنا في صورة بشير وتطورها في خلال مسيرته الحزبية ومن ثم مسيرته العسكرية، نكتشف أن بشيراً لم يكن ليلجأ إلى خيار المقاومة ضد الفلسطينيين ومن ثم ضد السوريين، لو لم يكن الفلتان الفلسطيني المسلح، ينتهك السيادة والدولة والقانون، ولو لم تكن الحواجز السورية المسلحة تنتهك كرامات اللبنانيين في وطنهم. وهي تجربة عاشتها كل طائفة من الطوائف اللبنانية مع الفلسطينيين ومع السوريين على حد سواء في مناطق تواجدها. فخاضت حركة "أمل" إلى جانب "حزب الله" معارك المخيمات في أكثر من مكان وزمان. كذلك خاض الجيش اللبناني تجارب مماثلة مع المخيمات الفلسطينية في أكثر من مكان وزمان.

فوضى السلاح في بيروت الغربية
قبل الإجتياح الاسرائيلي العام 82
ياسر عرفات
 في أحد المخيمات الفلسطينية
هذا الفلتان المسلح في بيروت الغربية ما قبل الغزو الإسرائيلي لبيروت في العام 1982، وتلك الفوضى المستعرة في أحياء العاصمة، جراء الاقتتال اليومي المستمر ما بين التشكيلات الحزبية المتعددة، هو الذي ادى إلى نقمة السكان في كل العاصمة. والتصفيق لدخول الدبابات الإسرائيلية من بوابة الجنوب، ورشقها بالورود والأرز من قبل السكان الشيعة ولا سيما الموالين لحركة "أمل"، قبل السكان المسيحيين والدروز والسنة، خير دليل على أن الخلاص من تلك الفوضى أصبح مطلوباً وبإلحاح ولو عن طريق الشيطان الإسرائيلي.

وبعيداً عن أي اعتبارات سياسية، فإن حقيقةً يجب أن تُقال، وهي أن القوات الإسرائيلية كانت ستدخل إلى بيروت، سواء كان بشير حليفاً لها أو عدواً، وهي بالطبع لم تطلب موافقته، وإن سعت إلى تغطية دخولها إعلامياً عبر الترويج للبركة المسيحية المتمثلة "بالقوات اللبنانية"، إسوة بالسوريين، حين سعوا إلى غطاء مسيحي لدخولهم الأراضي اللبنانية، بحجة حماية الأقليات المسيحية من الفلسطينيين والقوى الإسلامية واليسارية.
مع الرئيس كامل الأسعد

وإذا كان التقاء المصالح قد وحَّد الأكثرية الصامتة من اللبنانيين ولو بشكل غير معلن حول الدخول الاسرائيلي، على الرغم من التحام بعض القوى اليسارية اللبنانية بمنظمة التحرير الفلسطينية، التي لم تغادر بيروت إلا على أنقاض الأبنية المدمرة، ودخان الحرائق المنتشرة في كل مكان، فإن مصلحة بشير الجميل قد التقت مع المصلحة الإسرائيلية، فاستثمر دخولها لإعلان ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية، ومن ثم انتخابه بالتزكية في المدرسة الحربية بالفياضية. الأمر الذي عكس ارتياحاً لدى الشريحة الواسعة من اللبنانيين الصامتين والمتضررين من الأحزاب وحكم الميليشيات، وبالتالي بشَّر ببناء دولة قوية بقيادة رئيس شاب، يتمتع بكل مزايا القائد القوي، صاحب الكلمة المسموعة،  على العكس من شخصية الرئيس الراحل الياس سركيس، المتردد في قراراته، الإنطوائي في قصره المعزول عن الناس، والذي كان بارعاً في إدارة الأزمة، أكثر منه رئيساً حاكماً.
ياسرعرفات يتجول في شوارع بيروت
 مع عدد من المسلحين الفلسطينيين

كانت نقمة اللبنانيين الكبيرة بمختلف طوائفهم وانتماءاتهم على ممارسات الفلسطينيين المتمادية في بيروت والجنوب والبقاع، قد وصلت إلى حدود الإنفجار، ولا سيما أن أبو عمار كان يمارس سلطته العسكرية في بيروت، كالحاكم بأمر الله. إلى حد شراكته الكاملة في كل مقدرات الدولة، من رسوم على البنزين، والميكانيك، والعقارات، ناهيك عن فرض "الخوات" على أصحاب الشركات، والمعامل، والمحلات التجارية والمطاعم، وكل ما يدور في فلك الحركة التجارية والبورصة المالية. الأمر الذي ساهم في خلق مناخ، ولو غير معلن في الأوساط السنية البيروتية، لقبول بشير الجميل رئيساً واعداً ببناء دولة العدالة والمساواة، وهو مناخ كان قد عبر عنه الرئيس صائب سلام، في اكثر من مناسبة تلفزيونية جمعته بصديقه اللدود الشيخ بيار الجميل، والد الرئيس المنتخب،  ناقلاً إليه هواجس الشارع المسلم المتوجّس من انتخاب رئيس مسيحي متشدد، معلناً ضرورة البحث في صيغة من أجل "التفهّم والتفاهم" بين المسيحيين والمسلمين، على قاعدة الشعار الشهير: "لا غالب ولا مغلوب".
مشايخ آل معروف في الجبل
يقدمون الولاء لبشير الجميل في بكفيا
مناخ قبول بشير الجميل رئيساً، انسحب أيضاً على فعاليات الجبل، وعلى المشايخ الدروز بزعامة آل إرسلان، الذين توافدوا إلى بكفيا لتقديم الولاء، والتعبير عن تضامنهم الوطني مع الرئيس المنتخب الواعد بتخليص الجبل، من حكم "المجالس المحلية" التي فصلت الدروز عن لبنان. وهو واقع مؤلم ومرير أن تلتقي مصلحة اللبنانيين كل اللبنانيين مع مصلحة الكيان الصهيوني، للتخلص من الهيمنة الفلسطينية واسترداد الوطن إلى أحضان أبنائه.


بشير الجميل... القديس والشيطان!
بشير الجميل، بكل ما يحمل تاريخه من صفحات سوداء أو بيضاء، ملطخة بدم الأبرياء أو دم الأشرار، مملوءة بقصص الأبطال والمناضلين أو حكايات الغدر والمؤامرات... بشير الجميل هذا، لم يكن صنيعة إسرائيل، كما لم يكن صنيعة حزب الكتائب أو "القوات اللبنانية"... بشير الجميل، كان صنيعة وطن سائب، تخلّت عنه سلطته، وسلّمت مقدراته لقطاع الطرق واللصوص... فحولوا الوطن إلى مزرعة، والمزرعة إلى إسطبل، والأسطبل إلى مجرد زريبة ماشية، تمرد عليها بشير الجميل، وصمم أن يخوض حرب الشياطين ليبني وطناً... فكلفته كل تلك الأثمان الباهظة بما فيها إنقلاب القديسين عليه، من أجل قتله!
القاتل إن بكى!

حبيب الشرتوني

حين كان يبتسم الشرتوني منتشياً "بالنصر" ومعه نبيل العلم وحافظ الأسد، كانت تتمزق أجساد هؤلاء الأطفال برصاص الإنتقام، وكان يبتسم معهم شارون منتشياً
 
حين كان يبتسم الشرتوني منتشياً بالنصر،
كانت أجساد أطفال صبرا وشاتيلا تتمزق بالرصاص!
بقلم جوزف قرداحي 
جريمة إغتيال الشيخ بشير الجميل، ما زالت تواجه الانقسامات الحادة على المستويين الوطني والطائفي، وخصوصاً بعد تصاعد الأصوات الأخيرة المطالبة بالعفو عن منفذ عملية الإغتيال حبيب الشرتوني، وإطلاق الشعارات المؤيدة له، والتي ترفعه إلى مصاف "الأبطال" و"القديسين" الذين نفذوا حكم الإعدام، "بعميل إسرائيلي" استحق عدالة الموت.
بعيداً عن المواقف العاطفية، سواء المؤيدة لعملية الإغتيال أو المنددة بها، فإن السؤال الأكثر أهمية في هذا السجال هو: هل كان قرار "الحزب السوري القومي الإجتماعي"، في تكليف الطالب الجامعي الشاب، الذي لم يكن قد تجاوز الرابعة والعشرين في حينه، حبيب الشرتوني، تنفيذ عملية قتل جماعية بهذا الحجم، وهذه الخطورة، قراراً صائباً وحكيماً؟! وبالتالي من كان المتضرر الأكبر من تلك العملية، لبنان أم إسرائيل؟ وهل حقق الحزب السوري القومي الإجتماعي، غايته المنشودة من هكذا قرار؟!
في حسابات الربح والخسارة بالمفهوم الوطني والقومي لأي دولة ذات سيادة وكيان مستقل، نكتشف فداحة تداعيات الإغتيال، التي دفع ثمنها الأبرياء والعزّل، بشكل صادم ووحشي، وخدم مصالح إسرائيل وسوريا معاً، المتفقتان ضمناً على عملية تدمير الآلة العسكرية الفلسطينية، من خلال تقاسم الأدوار على أداء تلك المهمة... فما عجزت عنه إسرائيل، من خلال قتل العدد الأكبر من المدنيين الفلسطينيين في أثناء إجتياح بيروت، حققه لها حبيب الشرتوني في مخيمي صبرا وشاتيلا، الذي تسبّب من حيث يدري أو لا يدري بتلك التراجيديا الدموية. وبالتالي، حققته بدورها سوريا، حين أكملت على ما تبقى من آلة عسكرية فلسطينية في طرابلس.
حين ألقى جهاز الأمن التابع للسيد إيلي حبيقة القبض على حبيب الشرتوني، عقدت "الشعبة الخامسة" في "القوات اللبنانية" مؤتمراً صحافياً في قصر الرئيس حلو في الكسليك، دعت إليه وسائل الصحافة والإعلام، لتسجيل إعترافات الشرتوني بعملية التفجير، صوتاً وصورة. وقد كنتُ أحد المراسلين الصحافيين، الذين حضروا المؤتمر، وشاهدوا الشرتوني وجهاً لوجه، وسمعوا إعترافاته، التي أعلنها بابتسامته المنتشية، وهو يتأمل بعينيه الحالمتين حقيبة التفجير أداة الجريمة. كان الشارع في الخارج يغلي غضباً وخوفاً، والشرتوني يبتسم. وكانت أجساد الأطفال والنساء والعجائز تتمزق برصاص الإنتقام في مخيمي صبرا وشاتيلا، والشرتوني يبتسم. كانت البلاد تغرق في مصيرها الأسود، والشرتوني يبتسم.

يبتسم؟! أجل، وكان يبتسم معه في نفس تلك اللحظة التراجيدية، أرييل شارون، وهو يُشاهد بنفس تلك العينين المنتشيتين، مشاهد جثث الأطفال الفلسطينيين تتكدس أكواماً في أحياء وزواريب مخيمي صبرا وشاتيلا. وكان يبتسم معهما في تلك اللحظة، حافظ الأسد، وهو يشاهد من خلال عيون الشرتوني وشارون، إنهيار لبنان وسقوطه مرة جديدة بقبضة نظامه البعثي. يبتسم الشرتوني، وكان يبتسم معه شركاؤه في الجريمة من داخل القوات وخارجها، من الذين كانوا قد سهلوا طريقه ومدوا له يد العون في زرع عبواته، في مكانها الصحيح والقاتل.
من استفاد من إغتيال بشير الجميّل؟!
حتماً كل الذين برزت أسماؤهم، ولمعت نجوميتهم، ووصلوا إلى مراكز ومراتب لم يحلموا بها لو بقي بشير حياً. وليس من قبيل الصدف، أن تخرج تعليمات سرية في زمن نفوذ حبيقة، تدعو إلى غسل ذاكرة اللبنانيين من أي ذكرى لبشير ومحو صورة القائد من أذهان وعقول مؤيديه وأنصاره، واستبدالها بصورة قائد جديد، انقلب على خيارات "القوات اللبنانية" 180 درجة، منتقلاً بها من المعسكر الإسرائيلي إلى المعسكر السوري، وسط غموض التحالفات والإنقلابات، الأمر الذي رسم أكثر من علامة إستفهام، حول ضلوع حبيقة في عملية الإغتيال، وسبب سكوت الرئيس أمين الجميل عن محاكمة قاتل شقيقه، طيلة فتره حكمه؟!
من الرابح الأكبر، ومن الضاحك الأكثر قدرة على الضحك عالياً على اللبنانيين؟!
الجميع خاسرون، بمن فيهم إسرائيل وسوريا، وإن ضحكوا في البداية... فلعبة الحرب والدم مهما كان المنتصر فيها قوياً، لا بد أن يبكي في النهاية، يبكي بمرارة ويدفع الثمن... وهو ما تشهده سوريا في أيامها الحالية الصعبة، وهو ما ستشهده إسرائيل في أيامها المقبلة، وهو ما سيشهده كل قاتل مؤمن بلغة الدم والإنتقام.
أخيراً، هل حقق "الحزب السوري القومي الإجتماعي" غايته في إغتيال بشير الجميل؟!
إذا كانت غاية الحزب قتل لبنان، وإدخاله في نفق من الظلام... نعم فقد حقق "الحزب السوري القومي الإجتماعي" غايته بامتياز، وهو ما شهده لبنان في حروبه ومآسيه ومجازره المتلاحقة بعد اغتيال بشير... من صبرا وشاتيلا، إلى حرب الجبل ومجازرها، إلى انقسام الجيش في 6 شباط، إلى حرب "أمل" و"حزب الله" ضد المخيمات الفلسطينية، إلى انهيار الاقتصاد اللبناني، وسقوط الليرة في عهد أمين الجميل، إلى كافة الحروب الحزبية الصغيرة، وانقاسامات الأحزاب والطوائف على بعضها بعضاً، إلى"حرب الإلغاء" و"حرب التحرير" وعملية 13 تشرين الأول، وسقوط آخر مداميك الدفاع عن الدولة في براثن الجيش السوري، وتلزيم لبنان بكل مقدراته لنظام البعث... إلى آخر سبحة الانهزامات والخيبات!   

فلو أدرك حبيب الشرتوني، كم من المآسي والويلات والفواجع سبّبها زر التفجير الصغير، حين ضغط عليه  في تلك الآلة الجهنمية التي أعطاه إياها نبيل العلم، وكم من الأطفال الأبرياء ستتمزق أجسادهم برصاص الإنتقام، لبكى دماً وندماً!