الأربعاء، 30 أغسطس 2017

"قديس الشيعة" الإمام موسى الصدر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
هل تقاطعت المصالح السعودية - الإيرانية
لخطفه وتصفيته في ليبيا؟!
الإمام موسى الصدر في محاضرته الشهيرة
 في كنيسة الكبوشية ببيروت
بقلم جوزف قرداحي
هل سبق أن حدث في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، أن طوَّبت رجل دين شيعياً، وأعلنته قديساً؟! أغلب الظن أن الكنيسة المارونية اللبنانية ستفعل ذلك في وقت قريب، وتُقدم دعوى تطويب الإمام موسى الصدر إلى حاضرة الفاتيكان، ذلك أن الرجل دفع ثمن حبه للكنيسة، ودفاعه عن المسيحيين، حين قابل معمر القذافي في خيمته الشهيرة، قبل ساعات قليلة من إخفائه، وتصفيته في الواحد والثلاثين من شهر آب العام 1978.
مع البطريرك خريش في بكركي
كان العقيد القذافي يدعو إلى أسلمة المسيحيين اللبنانيين، أو ترحيلهم، وكان يدفع الأموال بسخاء للفصائل الفلسطينية المسلحة في خلال الحرب الأهلية، حين وقف الإمام الصدر بوجهه، داعياً إلى الوفاق الوطني، معلناً أن لبنان لكل أهله بجميع طوائفهم... وقد عبّر في أكثر من مناسبة عن رفضه الحرب الأهلية، واستيائه من لغة العنف والخطف، وأشهر تلك المواقف، اعتصامه في مسجد الكلية العاملية في بيروت، وإعلانه الإضراب عن الطعام.
لم تكن الثورة الإيرانية في ذلك العام قد تحققت، وكان الإمام الخميني يُعد عدته من العاصمة الفرنسية، للإنقضاض على نظام الشاه بهلوي وحكمه الديكتاتوري، عبر أشرطة الكاسيت، بمباركة أميركا وفرنسا والسعودية والجزائر وليبيا والعديد من دول القرار.
الإمام الخميني
الإمام التوافقي
كان الشارع الشيعي اللبناني حينذاك، ممسوكاً من رجل الشيعة الأول موسى الصدر، الذي يتمتع بسحر وشعبية جماهيرية، امتدت إلى شيعة الجوار مثل العراق والبحرين والسعودية وإيران. ولم يكن القرار الدولي والإقليمي في جعل الشرق الأوسط، منطقة خصبة للاصوليات الدينية، من أجل مواجهة الخطر الشيوعي، يحتاج إلى رجل دين معتدل مثل موسى الصدر، يؤمن بحوار الأديان، ويخطب في الكنائس، ويعقد الخلوات الروحية مع الرهبان والقساوسة. فصدر القرار بإزاحته وتغييبه، تمهيداً لتعبيد الطريق أمام ظاهرة دينية جديدة، قادمة من اوروبا لتهز عرش الامبراطور الفارسي الشاه رضا بهلوي، وقيام إمبراطورية الولي الفقيه والإمامة الشيعية بشخص رجل دين كان قد نفاه الشاه العام 1964، إسمه روح الله بن مصطفى احمد الموسوي الخميني.
الإمام موسى الصدر في أول لقاء له مع العقيد معمر القذافي
كانت الأموال الليبية تتدفق إلى جهات متعددة من اللبنانيين، إلى جانب الفلسطينيين، لتغذية النزاع الطائفي، والتحريض على القتل المذهبي والخطف على الهُوية... فنشأت الصحف والمجلات الموالية للقذافي، وتسلحت الميليشيات التي تعمل بأمرة ياسر عرفات، وكان من بين الجهات التي تلقت الدعم المالي الليبي لشراء الأسلحة، "أفواج المقاومة اللبنانية" التابعة لحركة المحرومين برئاسة موسى الصدر. غير أن حسابات معمر القذافي لم تنطبق مع بيدر الإمام الصدر، الذي آثر استخدام أسلحته على الحدود الجنوبية، في مواجهة العدو الإسرائيلي، بدلاً من توجيهها إلى الداخل اللبناني ضد شركائه في الوطن.
جُنَّ جنون القذافي، واتهم الصدر بخداعه، واصفاً إياه بالمسلم الكافر الذي يدخل كنائس الكفّار ويصلي فيها. واتخذ القرار بتصفيته، عبر دعوته إلى زيارة ليبيا، بعد أن كان قد مهّد الطريق أمام تلك الزيارة، الرئيس الجزائري الراحل هواري بو مدين، الذي نصحه بتلبية دعوة العقيد الليبي، للتباحث معه بكافة الأمور العالقة بين الرجلين.

مع المطران جورج حداد في صور
لم يخفِ الإمام الصدر خشيته من تلك الزيارة أمام شقيقته السيدة رباب والعديد من المقربين إليه. وقد قالت لي السيدة رباب شخصياً في لقاء صحفي معها منذ سنوات، نشرته مجلة "اليقظة" الكويتية: "أن الإمام كان متردداً في السفر، ومتوجساً من لقاء القذافي، وأن إتصالات جاءته من أكثر من دولة صديقة مثل الجزائر، تشجعه على الزيارة. فوصلته من السفارة الليبية ثلاث تذاكر سفر، محجوزة بإسمه وإسم الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين، مع تأشرات الدخول إلى العاصمة الليبية".
شقيقة الإمام، السيدة رباب الصدر شرف الدين
أكّدت لي شقيقة الإمام في ذلك اللقاء: "أن شقيقها السيد موسى الصدر، ما زال على قيد الحياة مع رفيقيه، حسب المعلومات التي تملكها، وهو نزيل أحد السجون السرية التابعة لمعمر القذافي، وقد زاره طبيب خاص لمعالجته من عوارض السكري التي يعاني منها". وأضافت: "بأن شقيقها استُدرج إلى ليبيا، بالتآمر والتواطؤ مع دول صديقة للبنان" مؤكدة: بأنها لا تُبرّىء حتى بعض رجال الدين الشيعة من تورطهم في إخفائه، أو على الأقل، من مساهمتهم في تمييع قضيته، لأن لهم مصلحة في تغييبه، وخصوصاً أن حضوره في الحياة السياسية اليومية، كان سيقلب الكثير من المعادلات التي نشأت على حساب غيابه، لا سيما وأنه كان رجلاً وفاقياً، رافضاً الحرب الطائفية، وهو ما أجج غضب القذافي، حين أعلن أمامه جهاراً، أن المسيحيين أخوة للمسلمين، ولبنان لا يقوم إلا بجناحيه، ومن الجنون التفكير بترحيلهم، أو إكراههم في الدين­­!".
رئيس الوزراء الإيطالي السابق يقبّل يد القذافي
اليوم، وبعد سقوط القذافي، وانكشاف الكثير من الأوراق في قضية الإمام الصدر، ولا سيما انكشاف دور المخابرات الإيطالية في تسهيل مرور رجال الأمن الليبيين إلى العاصمة الإيطالية، وانتحال شخصيات الإمام الصدر ورفيقيه، وتسجيلهم كنزلاء في فندق "الهوليداي إن". فضلاً عن إنكشاف شراء القذافي ولاء وسكوت رئيس الوزراء السابق سيلفيو برلوسكوني، عن كل تلك الملفات الإجرامية. وقد ثبُت بالصور الموثقة مشاهدة الرئيس الإيطالي الفاسد، وهو يقبّل يد سيده القذافي، تلك اليد الملطخة بدماء آلاف الأرواح البريئة.... بعد انكشاف كل تلك الأوراق والفضائح في قضية "الإمام القديس"، ألا ينبغي على الدولة اللبنانية التحرك السريع لتقديم شكوى بحق المتورطين في الدولة الإيطالية  بتلك القضية، وبالتالي، ألا ينبغي على الكنيسة المارونية، إعلان الإمام قديساً، والتقدم بدعوى تطويبه، كجزء من وفاء لرجل آمن بلبنان، ودافع عن مسيحييه، ودفع حياته ثمناً لهذا الإيمان؟!